هل يفتح إنشاء قيادة عسكرية أميركية لشؤون الفضاء الباب أمام مرحلة جديدة في الصراع الدولي، عنوانها نقل هذا الصراع من الأرض إلى الفضاء الخارجي؟ السؤال مثار، بعد أن طلب الرئيس ترامب من وزارة الدفاع إنشاء قيادة عسكرية فضائية، على أن تكون «قيادة قتالية وموحدة وفاعلة، وبما يتماشى مع القوانين المعمول بها في الدولة».
وإذا مضت الأمور بهذا الاتجاه الذي يريده ترامب، وأقر الكونغرس إنشاء القيادة العسكرية الفضائية، فستكون فرعاً سادساً في الجيش الأميركي الذي يتكون من خمسة أفرع الآن، «هي القوات البرية والبحرية والجوية وقوات المشاة البحرية (المارينز) وخفر السواحل».
ورغم أن الاتجاه السائد في ردود الفعل الدولية ينحو إلى التحذير من عسكرة الفضاء، والتنبيه لأخطار تحويله إلى ميدان جديد للمعارك، والدعوة إلى استخدامه للأغراض السلمية فقط، فالمتوقع أن تُطلق مبادرة ترامب صفارة بداية سباق تسلح فضائي على المدى الطويل، في الوقت الذي تتجه واشنطن وموسكو إلى استئناف سباق التسلح النووي، بعد تعليق كل منهما الالتزام بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى تمهيداً لإلغائها في أول أغسطس المقبل.
وكم يبدو الوضع مختلفاً اليوم عما كان عليه عندما وصلت المركبة الفضائية السوفييتية «لونا» إلى سطح القمر في سبتمبر 1959. كانت عبارة «غزو الفضاء» تُستخدم بطريقة مجازية، فيما كان المعنى الحقيقي هو الوصول إليه، والهبوط على جزء فيه. لكن «غزو الفضاء» يبدو حقيقياً اليوم، في ظل اتجاه الولايات المتحدة إلى إنشاء قيادة عسكرية تنهض بهذا الشأن، والتوقُّع أن تحذو دول أخرى حذوها في فترة تالية، بدءاً بتلك التي أطلقت برامج فضائية، مثل روسيا والصين وألمانيا وفرنسا واليابان والهند.
لكن هذا التطور لم يأت من فراغ. فقد قامت الولايات المتحدة وروسيا من قبل بنشاطات عسكرية هامشية في الفضاء، مثل استخدام أقمار تجسس لجمع معلومات ذات طابع عسكري، واستخدام الفضاء في الإنذار المبكر، والمراقبة، وفي عمليات السيطرة والتحكم في معارك على الأرض كما حدث مثلاً في الحرب الأميركية على العراق عام 2003.
كما تم تطوير معدات تصلح للاستخدام المزدوج في الأرض والفضاء. ومنها مثلا الطائرات التي يمكن استخدامها في الفضاء، أي تحمل خصائص المركبة الفضائية. وهي طائرات يمكنها التحليق بطريقة عادية كغيرها، ويمكن تحويلها في الوقت نفسه إلى مركبات فضاء عن طريق دفعها بوساطة صواريخ وبمساعدة محركات هوائية.
لكن القليل من استخدامات الفضاء لأغراض عسكرية هو الذي تم تقنينه بشكل ما في اتفاقات بين بعض الدول (الكبرى بالطبع)، مثل الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، وأجاز استخدام الأقمار الاصطناعية لأغراض الرقابة من أجل تعزيز الأمن الدولي وخفض أخطار نشوب حرب بطريق الخطأ، عقب أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
ورغم أن معاهدة الفضاء الخارجي الصادرة عام 1967، التي سمحت بأن يكون هذا الفضاء مجالاً مفتوحاً للدول كلها لاستكشافه والاستفادة منه، حظرت في الوقت نفسه نشر أسلحة فيه، يرى بعض خبراء القانون الدولي أن بإمكان الدول الراغبة في عسكرة هذا الفضاء المجادلة بأنها تضطر إلى ذلك لحماية ممتلكاتها فيه. وقد لا يمر وقت طويل حتى تتجاوز هذه الممتلكات الأقمار الاصطناعية، بعد أن بدأت بعض الدول التي أطلقت برامج فضائية في التخطيط لإقامة مناطق خاضعة لسيطرتها على سطح القمر.
وهكذا لن يكون احتمال نشر أسلحة في الفضاء الخارجي بعيداً، إذا شرعت الولايات المتحدة بالفعل في تأسيس قيادة عسكرية فضائية. وربما يكون أي تحرك في اتجاه نشر أسلحة في الفضاء بمثابة خطوة أولى نحو سباق تسلح قد يكون خطره أكبر من نظيره على الأرض، في غياب قواعد قانونية تحكمه. فعلى الأرض، بمعناها الواسع الذي يشمل الجو والبحر، يحدث سباق التسلح بين دول لكل منها حدودها ومجالها البحري والجوي، وسيادتها، وتجمعها منظمة عالمية لها ميثاقها وقواعدها وآلياتها. أما السباق في الفضاء الخارجي فسيكون مفتوحاً بلا حدود، حيث لا سيادة لأحد، ولا قواعد تحدد حتى أبسط الأمور المتعلقة به مثل تعريف السلاح الفضائي.
لذلك ربما يكون الوقت قد حان لوضع موضوع سباق التسلح في الفضاء الخارجي على جدول الأعمال العالمي، وتبني الأمم المتحدة مبادرة لعقد مؤتمر دولي سعياً إلى معاهدة لحظر نشر السلاح في هذا الفضاء.

*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية