يحظى المغرب بسمعة جيدة كبيئة استثمارية بارزة، ويُعزى هذا إلى الإرادة السياسية المتحمسّة، وكذلك إلى العزم القوي الذي حفّز المشغّلين الاقتصاديين المحليين من رجال الأعمال إلى البنوك، والمشاركين الآخرين في مجال الاستثمار، خاصةً أن المغرب كان ولا يزال ملتزماً تماماً بالمعايير المالية الدولية، ولديه إطار قانوني متطوّر للغاية يضمن حماية المستثمرين واستثماراتهم، كما ويعتبر الاستقرار عاملاً مهماً في تنمية البلاد، حيث نهضت العديد من السياسات خاصة المتعلقة بالمجال الاقتصادي، بما في ذلك مبادرة السدود التي شهدت بناء نحو 140 سداً في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية طويلة الأجل للحكومة والتي بدورها ساهمت في تحقيق العديد من الأهداف، مثل تطوير الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ونمو صناعات السيارات والطائرات.
وقد أبرمت المغرب العديد من الاتفاقيات المهمة مع غالبية بلدان القارة مما جعلها مركزاً أفريقياً للعديد من الأنشطة الاقتصادية، خاصةً أن لدى المغرب استراتيجياته الإنمائية الطموحة، على سبيل المثال تطّور القطاع الصناعي بفضل إدخال مرافق متطورة مثل مصنع «رينو» في طنجة، ومحطة «Peugeot» في القنيطرة، ومصنع «بومباردييه» في الدار البيضاء، وفيما يتعلّق بالزراعة يجري تحسين الإنتاج من خلال خطة (المغرب الأخضر) التي تهدف إلى تحديث وتعزيز الإنتاج المحلي، وما تقوم به الحكومة لجعل المغرب مركز أفريقيا المالي الأول والمنصّة التي تُمكّن البلدان الأوروبية من الوصول إلى السوق الأفريقية على غرار «سُلطة مدينة المالكية» في الدار البيضاء (CFC)، الملتزمة بأن تصبح منارة أفريقيّة في القطاع المالي، وأخيراً يتم تطوير قطاع السياحة من خلال استراتيجية «رؤية 2020»، وسياسات محلية أخرى تهدف إلى تطوير السياحة المحلية وزيادة عدد السيّاح الذين يزورون المغرب بشكل كبير.
ومن جهة أخرى، يواجه المغرب تحدي نقص المياه وتغيّر المناخ مما يجعله يواجه قرناً جافًا للغاية، وفي السنوات الأخيرة تسبّب الجفاف في واحدة من أكثر مناطق العالم تعرضاً للإجهاد المائي في إلحاق ضرر شديد باقتصاديات المغرب ودول شمال أفريقيا المجاورة، والمثال الحي على ذلك ما حدث في عامي 2015 و2016، حيث تسبّب الجفاف المطّول في انخفاض إنتاج المغرب من الحبوب بأكثر من 70%، وفي عام 2017 أصبح نقص المياه حاداً، وقد أدت حالات الجفاف إلى اضطرابات اجتماعية فيما يُعتبر حتى الآن أحد أكثر البلدان استقراراً من الناحية السياسية في المنطقة.
ولكن ماذا تخبئ الأيام للمغرب في ظل قلة سقوط الأمطار وزيادة ملوحة الأراضي؟ وارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء منطقة شمال أفريقيا بمقدار 3 درجات مئوية بحلول عام 2050؟ ومن المتوقع أن ينخفض ??معدل سقوط الأمطار في معظم مناطق المغرب بنسبة 10% في الوقت نفسه الذي ترتفع فيه معدلات استخدام المياه بشكلٍ كبير، كما أن هناك قلقاً من التصحّر شمالاً مما يهدّد القطاع الزراعي المغربي المهم الذي يمثّل 15% من الناتج المحلي الإجمالي والذي يستوعب 40% من القوى العاملة في المغرب.
ولمواجهة تحديات التغيّر المناخي ونقص المياه، وضعت الحكومة المغربية خطتها التي تتضمن برنامجاً طموحاً للطاقة المتجددة والذي يهدف إلى إنتاج أكثر من 50% من إمدادات الكهرباء بحلول عام 2030 من خلال مزيجٍ من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وذلك بالقرب من مدينة «ورزازات»، حيث يقوم المغرب ببناء ما يعتبر واحداً من أكبر المنشآت الشمسية في العالم على حافة الصحراء الكبرى، كما تقوم الحكومة أيضاً ببناء ما يُحتمل أن يكون أكبر محطة لتحلية المياه في العالم (تحويل مياه البحر إلى مياه شرب) بالقرب من الواجهة السياحية لأغادير على ساحل المحيط الأطلسي، ووعود بإنفاق مبالغ كبيرة لتعزيز أنظمة ري أكثر كفاءةً، وهم يشجعّون المزارعين على زراعة أشجار الفاكهة بدلاً من محاصيل الحبوب المتعطشّة للمياه في محاولة لتعزيز الحفاظ على المياه ومنع المزيد من تآكل التربة.
فهل سيشكّل طموح المغرب في الإنفاق المتزايد على المشاريع الضخمة، مثل السكك الحديدية عالية السرعة وبناء ما سيكون أطول مبنى في أفريقيا إشكالية مستقبلية؟ وكيف سينجح المغرب في التغلّب على معضلة أن العديد من سكانه الذين يعيشون في الأرياف قد هجروا التعليم في سنٍ مبكرة، وأهمية الاستثمار في تلك الفئة التي ستعكس التزام الحكومة بتطوير قدراتها والقضاء على الفقر، وتبنّي ممارسات الذكاء الاصطناعي والبرمجيّات المتقدّمة، والاستثمار في البحث العلمي بصورة عامة هو مستقبل التنمية الشاملة في المغرب.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.