دار نقاش طويل حول دعوة فلسطينية تلقيناها لزيارة الضفة الغربية بين الباحثين في المنتدى المصري للدراسات الإسرائيلية الذي قمت بتأسيسه لنصرة القضية الفلسطينية وتكوين جيل جديد من الباحثين في هذا المجال. جاءت الدعوة الفلسطينية لنا مشفوعة بشرح يفيد بأن الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال وضغوطه في الضفة الغربية يحتاج إلى دعم معنوي يتمثل في مجيء الأشقاء العرب وزيارتهم له وإشعاره بأنه ليس وحيداً وفي عزلة تحت سيطرة الاحتلال.
في البداية اعترض بعض الباحثين لرفضهم الوصول إلى الضفة المحتلة عن طريق المطارات الإسرائيلية، وعندما نقلت هذا الاعتراض لصاحب الدعوة الفلسطيني، أجاب قائلا أمرين: الأول، أيها الأشقاء العرب إنكم ستحضرون لزيارة السجين لا السجان، فالسجين في حاجة لحضوركم في وفود متتالية ترفع من معنوياته بمجرد حضورها لأيام وتجوالها في الأسواق وزيارة الجامعات والمؤسسات الفلسطينية المختلفة للتفاعل مع أنشطتها فضلا عن أداء الصلاة في المسجد الأقصى. والأمر الثاني هو أن الوفد المصري ومن يصحبه من الأشقاء العرب يمكنهم الدخول عبر المطارات الأردنية وبتأشيرات تتولى إصدارها السلطات الفلسطينية التي هي مَن يتعامل مع سلطات الاحتلال في إطار التنسيق الأمني القائم بينهما.
كان ذلك الرد مؤثراً في المناقشات، وقد شعر كثيرون أن زيارة الشعب الفلسطيني الأسير بهذه الشروط لا تمثل عبئاً نفسياً على الزائر ولا تحمّله ما لا يطيق. لقد خلق هذا الرد شعوراً بالارتياح لفكرة الصلاة بالمسجد الأقصى خصوصاً بعد أن لاحظ بعض الباحثين أن حضور وفود مصرية وعربية متتالية للصلاة في الأقصى سينبه المتطرفين اليمينيين الإسرائيليين الذين يجاهرون بنواياهم لهدم المسجد، أن لهذا البيت أصحاباً من المسلمين بمئات الملايين لن يسمحوا لمثل هذه المخططات الخبيثة بالخروج إلى حيز التنفيذ وأن في مقدورهم تحريك ردود فعل دولية واسعة لحماية هذا المسجد من أي عدوان.
وهناك نقطة أخرى وظيفية تدعم الجهود السياسية التي تقوم بها القيادات العربية لإقامة الدولة الفلسطينية، كشفها النقاش، وهي أن الحضور الشعبي المصري والعربي في الضفة والقدس سيمثل رسالة ضمنية للإسرائيليين بأنهم إذا لبوا مطالب مبادرة السلام العربية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فسيمكنهم حينئذ إقامة علاقات طبيعية مع العرب، كمكافأة يحصلون عليها بالمقابل.
بعد ذلك نبّه أحد الباحثين إلى أن المنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية والتي تدعو إلى مقاطعة الاحتلال قد أصدرت بياناً تحدد فيه مواصفات زيارات الوفود العربية وفق أربعة شروط: الأول أن تكون الجهة الداعية فلسطينية، والثاني أن يكون الدخول للضفة عبر معبر الأردن، والثالث أن يكون هدف الزيارة الواضح هو دعم صمود الشعب الفلسطيني، والرابع أن تقتصر الزيارة على الجهات الفلسطينية والشعب الفلسطيني وألا يتخللها أي اتصال بالاحتلال ومؤسساته. إن هذه الشروط الأربعة قَصدَ بها واضعوها الفلسطينيون ألا تؤدي مقاطعة سلطات الاحتلال إلى محاصرة الشعب الفلسطيني وحرمانه من الشعور بأن أشقاءه العرب يشعرون بمعاناته ويتكبدون مشقة السفر إليه ليشدوا على يديه ويمنحونه إحساساً يرفع معنوياته ويثبّته على أرضه.
وليس غريباً بعد كل هذه الإيضاحات المؤيدة لزيارة السجين، وليس السجان، أن بعض الباحثين ظلوا على رفضهم للزيارة والبحث عن وسائل أخرى لدعم الشعب الشقيق الأسير، فتعدد وجهات النظر من طبائع الأمور.