هذه المقالة هي الأولى من أصل ثلاث مقالات حول الوضع الحالي للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، والتي تتسبب في ارتباك كبير لكل من حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء. المقالة الأولى ستستعرض الخلفية العامة لهذه السياسة منذ عام 1991، عندما صعدت الولايات المتحدة إلى الواجهة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة، ثم الفترة من 11 سبتمبر 2001 إلى نهاية إدارة أوباما، بينما سيغطي المقالان التاليان العامين الأولين من إدارة ترامب.
ولعل الحدث الأبرز كان حرب الخليج الأولى في عام 1991، التي شكلت نجاحاً كبيراً للولايات المتحدة. وفي ما عدا استثناءات قليلة، فإن بقية دول العالم، بما فيها الاتحاد السوفييتي، دعمت الولايات المتحدة في تلك الحرب. لقد كسبت واشنطن الحرب وطرد القوات العراقية من الكويت، وتولت اليابان وحلفاءٌ آخرون الكلفة المالية. وفي أعقاب تلك الحرب، أعلن الرئيس جورج إتش. دبليو. بوش عن «نظام عالمي جديد»، وتحدث عن أربعة احتياجات للشرق الأوسط: أمن مشترك، ونهاية للانتشار النووي، وعملية سلام أقوى، وتنمية اقتصادية.
وكانت ثمة بعض النجاحات خلال هذه الفترة. فمؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 ترأسته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قبل ثلاثة أشهر فقط على تفكك هذا الأخير. وبعد عامين على ذلك، حدثت اتفاقات أوسلو، والمصافحة الشهيرة في حديقة البيت الأبيض بين إسحاق رابين وياسر عرفات. وفي عام 1994، وُقعت معاهدة السلام الكبرى الثانية التي تضم إسرائيل هذه المرة مع الأردن. معاهدة تم الحفاظ عليها.
كانت هذه اللحظة أحادية القطبية بالنسبة للقوة الأميركية. لكن في 11 سبتمبر 2001 تغير كل شيء. فقد خاضت الولايات المتحدة حربين لم تنتهيا بعد. مثلت معركة أفغانستان حرباً كان على الولايات المتحدة خوضها، وكانت ستبلي فيها بلاء أفضل بكثير لو أنها بقيت هناك ولم تنشغل بغزو العراق الكارثي. فأزمة العراق تظل عاملاً أساسياً في تدهور الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ذلك أنه عبر إسقاط صدام حسين الذي كان زعيماً قوياً باستطاعته كبح التمدد الإيراني، دخلت إيران إلى كثير من الأنحاء وواصلت تمددها، وهي تعمل عن قرب في وقتنا الحالي مع الحكومة العراقية.
وفي عام 2005، ذهبت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى القاهرة، وألقت خطاباً حول السياسة الأميركية. ومما قالت فيه: «على مدى 60 عاماً، سعت بلادي، الولايات المتحدة، وراء الاستقرار على حساب الديمقراطية في المنطقة، لكننا لم نحقق أياً من الاثنين. الآن سنسلك مسلكاً مختلفاً. إننا ندعم التطلعات الديمقراطية لكل الشعوب». وقد كانت متفائلة للغاية في 2005: «إن الشعب العراقي يفوق كل التوقعات».. «السلطة الفلسطينية ستتسلم السيطرة قريباً عن غزة، وهي خطوة أولى نحو تحقيق رؤية دولتين ديمقراطيتين تعيشان جنباً إلى جنب في أمن وسلام».
وفي عام 2009، قام رئيس أميركي جديد، هو باراك أوباما، بزيارة للقاهرة وألقى من جامعتها خطاباً كان موجهاً إلى العالم الإسلامي. غير أنه أدلى ببعض التصريحات التي لم تلق صدى جيداً بين مناوئيه. ومما قاله في ذلك الخطاب: «إن 11 سبتمبر كان صدمة كبيرة لبلدنا. فالخوف والغضب اللذان أثارهما يمكن تفهمهما، لكنهما دفعانا في بعض الحالات للتصرف على نحو منافٍ لقيمنا».
ثم جاءت الانتفاضات العربية، وكانت محصلتها في النهاية سيئة للغاية. ففي مصر، مثلاً، أبدت إدارة أوباما ارتباكاً واضحاً. ففي البداية شجعت المحتجين الساعين إلى إسقاط الرئيس حسني مبارك. وبعد ذلك، أشادت الإدارةُ على نحو باهت بمرسي، لكنها لم تقم بشيء عندما أُطيح بها في ثورة شعبية.
ولعل سوريا في الوقت الحالي تجسد المثال الأخطر لارتباك السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ذلك أن الرئيس أوباما حدد للأسد خطاً أحمر: إذا استخدمت دمشق أسلحة كيماوية، فسيكون ثمة رد عسكري. لكن الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية ولم يحدث أي رد عسكري أميركي. وبعد ست سنوات من القتال الوحشي، فاز الأسد، بمساعدة روسيا وإيران و«حزب الله»، بالحرب الأهلية، على الأقل في الوقت الراهن، والولايات المتحدة لديها نفوذ قليل على ما يجري في معظم سوريا. ذلك أنه لا يزال لدى واشنطن نفوذ على بعض الأطراف، حيث كانت الولايات المتحدة والقوات المتحالفة، معها مثل الأكراد السوريين، تقاتل «داعش» بنجاح ملحوظ.
في عام 2017، ورث الرئيس ترامب كل مشاكل الرؤساء الذين سبقوه، وتعهد بتغيير الدينامية الإقليمية، بما في ذلك الخروج العسكري من أفغانستان وسوريا والعراق، كما تعهد بإقامة سلام عربي إسرائيلي جديد. لكنه إلى الآن لم ينجح في تعهده الأخير على الأقل، ولا أحد يعرف ما يعتزم فعله في الأشهر المقبلة.