إيران محط اهتمام العالم لأكثر من أربعين عاماً، وأعني ذلك من بعد الثورة «الخمينية»، ولم يخمد ذكرها يوماً بل العكس يزداد أوارها، وخاصة بعد قرار أميركا تصفير نفطها. إيران الشاه والسافاك كانت شرطي الخليج. أما إيران الثورة تخطت دور الشرطي إلى مرحلة زراعة الحرس الثوري خارج إيران في لبنان وأفغانستان وفي العراق وسوريا واليمن والبحرين ولا زال حبل زراعته على الجرار.
عندما بدأ يضيق عليها الخناق، أخذت تنبش في التاريخ لتروج بأن صدام طلب منها احتلال الخليج ولكنها رفضت، لأن في فلك سياستها احتلال أربع عواصم عربية، وإن قام صدام بغزو الكويت إلا أنها تحررت في حين العواصم الأربعة محتلة، وبعد ذلك تتذرع باحتلال إسرائيل لفلسطين وتعد بمحوها من الوجود، وعندما وصلت إلى حدود الجولان بطلب من النظام السوري خنست وتراجعت رغم قصف إسرائيل لأماكن تمركزها.
النظام الإيراني بعد تأثير العقوبات على العصب بعد العظم، يسترحم العالم بأن شعبه سيموت جوعاً ويعترف بأنه لا يملك المال لعلاج المشكلات التي نجمت عن الفيضانات الأخيرة، إلا أنه يملك بالمقابل دفع المليارات من الدولارات من أموال الشعب المغلوب على أمره للصرف على الإرهاب، ويطلب من الشعب أن يربط الحصى على بطنه.
إيران تزعم بأنها استطاعت أن تصمد أمام حزمة العقوبات والتفت عليها منذ عقود فهي مصرة اليوم على الاستمرار في النهج ذاته.
عادت إيران إلى القفز على مشاكل الداخل من جديد للهروب إلى مضيق هرمز، والذي تعرف جيداً بأنها بذلك تحرق أصابعها. لا نعلم كيف لإيران الدعوة إلى الحوار مع دول الخليج في الوقت الذي تطلق ألسنتها الحداد تجاه قيادات ورموز المنطقة، وهو الأمر الذي حدى بالدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن ينوه بذلك في تغريدة يقول فيها:«تطاول وزير الخارجية الإيراني في الإعلام الأميركي على رموز الإمارات والسعودية مرفوض وعجز في المنطق والتوّجه، الظروف التي تحيط بإيران من صنع يديها، والخروج من أزمتها يتطلب نهجاً واقعياً، استهداف قيادتنا قول مردود ولا يسعف إيران في محنتها بل يعقد المشهد المحيط».
يحار المرء في رصد ما يهدف إليه النظام الإيراني في حال توسعة دائرة نفوذه السلبي، وخاصة في نشر بذور الطائفية أينما وصلت أذرعها الأخطبوطية. لماذا يقف أحد كبار المسؤولين في الجيش الإيراني، ولا نقول في الحرس الثوري فقط على مسرح الأحداث يلقي خطاباً نارياً خلاصته استعداد العسكر للحرب في الخليج وهو يرقص ويغني لهذه الحرب، وأنه شخصياً كان مستعداً لها عندما قدم جوازه للتجنيد الإلزامي.
إيران تؤجج الأجواء وتريد للعالم أن يجلس معها للحوار كما ترغب. سنوات وهي تعترف بأنها أصبحت خبيرة في الالتفاف على العقوبات، وتقر بأنها حصدت من ذلك قرابة 140 مليار دولار ذهبت معظمها لصالح ميليشيات الإرهاب الثوري، وحولت الشعب إلى لاجئين في الداخل، علما بأن دخل إيران من النفط ما قبل الحصار الدولي كان يقترب من نصف تريليون دولار سنوياً.
إيران تكابر وتعلن عن قدرتها على تجاوز هذه الحزمة الخانقة من العقوبات في نظام يعتمد دخله على النفط بقرابة 80%، وهو القاصمة لظهرها في ظرفها الحالي.
والغريب أن بعض المحللين الإيرانيين يروجون لسلسلة من الانتصارات ومن جملتها تحالف «المُعاقَبين» من قبل أميركا، ويعني بهم الصين وروسيا وتركيا وفنزويلا وكوريا الشمالية، فهم فرحون بهذا الإنجاز في هذا الوقت العصيب.
وتستمر السياسة الإيرانية في انحدارها بالتلويح بالانسحاب من الاتفاق النووي لتحرق كل أوراقها في لحظة زمنية لا نسمع لصوت رجل رشيد من داخل النظام في إيران يعيد الدولة إلى طبيعتها بعد عقود من التثوير، وتصدير الشرر والحريق إلى بقية مناطق نفوذها التي أحالتها خراباً ويباباً وأراض بور.