ذكر مركز التقدم الأميركي، في دراسة جديدة، عن توجهات الأميركيين في السياسة الخارجية، أن «المسح القومي يقدم أدلة دامغة على أن الناخبين الأميركيين يريدون أن تكون الولايات المتحدة قوية في الداخل أولاً وقبل كل شيء، حتى يساعدها هذا في المنافسة في العالم. ويعبر الناخبون في التقسيمات السكانية المختلفة عن رغبة واضحة في مزيد من الاستثمار في البنية التحتية الأميركية والرعاية الصحية والتعليم، مع تركيز حصري أقل على الإنفاق على الجيش والدفاع، كجزء من نهج معدل في السياسة الخارجية، يجعل أميركا مستعدة للمنافسة مع دول أخرى. وتريد نسبة كبيرة من الناخبين من الحكومة أن تركز على مشكلاتنا كوسيلة لدعم الوضع اقتصادياً وسياسياً، لاسيما في مواجهة التحديات القادمة من دول مثل روسيا والصين».
وربما في أهم استنتاجات المسح، عبر الناخبون من أجيال وانتماءات حزبية مختلفة عن رغبة قوية في استثمار داخلي أكبر في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم.. لتعزيز تنافسية الولايات المتحدة عالمياً، بدلاً من مجرد تعزيز الإنفاق العسكري والدفاعي. ويتفق الناخبون عبر التقسيمات الحزبية بقوة على أن الولايات المتحدة تواجه تحديات جديدة منها الهجمات الرقمية والأسلحة الكيماوية والطائرات من دون طيار، التي تتطلب مواجهتها جهوداً عسكرية واستخباراتية مع الدول الأخرى.
وهذا لا يعني أن "الديمقراطيين" يجب أن يصبحوا انعزاليين أو حمائيين، بل يعني بحسب قول كاتبي تقرير المسح أن «الناخبين الأميركيين لا يرغبون في عزوف كامل عن الشؤون العالمية. إنهم يريدون أن تعمل الولايات المتحدة مع حلفاء ومؤسسات دولية لحسم التحديات العالمية، لكن بشرط التزام البلاد بتنظيم شؤونها الداخلية. ويريدون أن يعرفوا أن الولايات المتحدة تركز على احتياجاتها الأمنية والاقتصادية أولاً قبل معالجة مشكلاتها العالمية التي لا يمكنها التحكم فيها. الناخبون يرغبون في الحماية فوق أهداف السياسة الخارجية الأخرى، أي الحماية من الضرر وحماية الوظائف الأميركية، ويفضلون الاستثمار في البنية التحتية الداخلية والفرص الاقتصادية. أي ببساطة يعتقد الناخبون الأميركيون أن أميركا تحتاج إلى أن تكون قوية في الداخل لتكون قوية في العالم».
وفي سياق الانتخابات الرئاسية لعام 2020، سيكون من الحكمة أن ينظر "الديمقراطيون" إلى هذه النتائج، وصياغة سياسة خارجية قائمة على ستة أعمدة، كل واحد منها له مغزى سياسي يجتذب الناخبين في الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي، وينتقد قيادة ترامب في السياسة الخارجية، ويتفادى هجمات الرئيس المتوقعة التي مفادها أن "الديمقراطيين" أضعف من أن يدافعوا عن الولايات المتحدة. وهذه المقترحات ليست كل شيء لكنها تمثل نمطاً معقولاً من الأولويات التي تتفق مع مصالحنا القومية وشعورنا العام.
أولاً: يجب على "الديمقراطيين" أن يقيموا الحجة على أن تقليص الإنفاق الذي يريده ترامب في كل شيء، من البحث العلمي الأساسي إلى التعليم والمعاهد القومية للصحة، يقوض قوتنا الاقتصادية والتكنولوجية الضرورية للدفاع عن أنفسنا أمام القوى العظمى والقوى غير النظامية. والبنية التحتية المتهالكة والظروف الصحية غير المتساوية، وغيرها من الاختلالات، تقضي على جاهزيتنا. ورفض ترامب للتغير المناخي وعلاقته بصناعة النفط، تدمر الكوكب ولا تحرك ساكناً لمواجهة الدمار الذي يلحق بالحياة والممتلكات بسبب تطرف المناخ. وبذلك فالرئيس يجعلنا أكثر هشاشة أمام كل شيء، من سرقة الصين للملكية الفكرية إلى عصابات المخدرات الدولية إلى الأعاصير. وبدلاً من هذا، يجب علينا الاستثمار أكثر في البنية التحتية والعلوم والطاقة الخضراء والتعليم.
ثانياً: لا يستطيع ترامب أن يحدد الأعداء، لذا لا يمكنه أن يبقينا آمنين. إنه لا يدرك خطر القوميين البيض، أو الخطر الذي يتهدد ديمقراطيتنا من روسيا، وهذا يجعلنا أكثر ضعفاً. وعلينا تصنيف إرهاب القوميين البيض باعتباره تهديداً أمنياً كبيراً، ويجب أن نطبق عقوبات أبطأ ترامب في تنفيذها، إرضاءً لأفضل أصدقائه ألا وهو فلاديمير بوتين.
ثالثاً: التفويض المفتوح باستخدام القوة يرقى إلى مستوى تنازل الكونجرس عن رقابته. وعلى مجلسي النواب والشيوخ أن يعملا مع الإدارة التالية، ليضمنا أن الكونجرس مشارك في الأمر بشكل كامل. وباختصار نحتاج إلى الارتقاء بالكونجرس إلى مكانته الملائمة في السياسة الخارجية.
رابعاً: ترامب يجعلنا أضعف بدخوله في نزاعات مع حلفائنا المقربين. وهذا يعرقل قدرة البلاد على الدفاع ضد التهديدات الصاعدة. ومن ثم، يجب على الرئيس التالي أن يصلح العلاقات مع الحلفاء ويوسع التجارة، خاصة مع حلفائنا الديمقراطيين في أميركا الشمالية وآسيا، ويعزز التعاون في كل شيء من تغير المناخ إلى محاربة إرهاب القوميين البيض.
خامساً: ترامب يدلل بعض القادة غير الديمقراطيين، وقد توصل مركز التقدم الأميركي إلى أن أغلبية كبيرة من الناخبين (بنسبة 76%) ينظرون إلى كوريا الشمالية وروسيا باعتبارهما غالباً أعداء للولايات المتحدة. ولذا يجب استئناف المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية وإحكام دائرة العقوبات ضد بيونج يانج.
سادساً: ترامب يضر الاقتصاد من خلال تهديد الوظائف وإرهاق الأسر الأميركية بزيادة الإنفاق بسبب حرب تجارية بلا مغزى. فقد ارتفعت معدلات إفلاس المزارعين والرسوم الجمركية أرهقت الأسر العادية. وقد ذكرت شبكة «إن. بي. سي. نيوز» أن «الغسالات ارتفع سعرها بنسبة 12% في المتوسط بعد فرض الرسوم الجمركية أو ما يتراوح بين 86 و92 دولاراً لكل جهاز». لقد وعد ترامب بإبرام صفقات جيدة، لكنه بدلاً من ذلك مزق الصفقات القديمة وانخرط في مشاجرات استخدم فيها العمال والمستهلكين الأميركيين كبيادق.

*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»