أعلنت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة المعنية بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» تصنيف مسعود أظهر، زعيم جماعة «جيش محمد»، إرهابياً عالمياً. ويمكن وصف ذلك بأنه نجاح دبلوماسي كبير للهند جاء بعد سنوات من جهود مضنية بذلتها نيودلهي من أجل تصنيف مسعود أظهر إرهابياً، لاسيما أنه مطلوب من قبل الهند بسبب سلسلة من الأنشطة الإرهابية ضد الدولة الهندية، بما في ذلك الهجوم الانتحاري الأخير في «بولفاما» بكشمير في فبراير الماضي، والذي أسفر عن مقتل 40 من قوات الأمن الهندية. وأفضى ذلك الحادث إلى تفاقم التوترات في شبه القارة، وطالبت وزيرة الخارجية الهندية «سوشما سواراج» باكستان بالتعامل مع الإرهاب قبل طلب إجراء محادثات بين البلدين.
ورداً على هجوم «بولفاما» الإرهابي، الذي زعمت جماعة «جيش محمد» مسؤوليتها عنه، شنّت الهند هجمات جوية عبر خط السيطرة الفاصل في كشمير ضد باكستان، التي ردت من جانبها بأسلوب مماثل. ولم تهدأ حدّة التوترات إلا بعد إعلان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إطلاق سراح طيّار هندي أسقطت طائرته في معركة جوية.
وعلى الرغم من ذلك، كان الزخم الناجم عن حادث «بولفاما» هو ما أسفر في نهاية المطاف عن تصنيف مسعود أظهر إرهابياً. ومارست كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ضغوطاً داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث عرقلت الصين، المعروفة بأنها حليف موثوق لباكستان، اتخاذ القرار على مدار سنوات. وقد كانت الصين هي الدولة الوحيدة بين أعضاء مجلس الأمن الـ13 التي تعرقل مقترح تصنيف «مسعود أظهر» باعتباره إرهابياً عالمياً بسبب علاقاته مع تنظيم القاعدة، ضمن قرار يفرض عقوبات على مؤيدي التنظيم وأسامة بن لادن. ومحاولات إدراج مسعود أظهر كإرهابي مستمرة منذ عقد كامل، وعرقلتها الصين أربع مرات على الأقل في وقت سابق، مستشهدة بنقص الأدلة، من أجل مساندة حليفتها الوثيقة باكستان.
وعلى رغم من أن الهند والصين لديهما علاقات اقتصادية متنامية، لكنْ هناك أيضاً نقص في الثقة سببه نزاع حدودي غائر وعلاقات بكين الوثيقة مع إسلام أباد. بيد أن البلدان حاولا تعزيز الثقة بينهما من خلال المبادرات الدبلوماسية. ومؤخراً حاولت الهند والصين تعزيز روابط قوتهما الناعمة، مثل التعاون في صناعة السينما وترويج السياحة، في إطار جهود دبلوماسية جديدة تهدف إلى تعزيز الثقة. لكن مع أن تصنيف «أظهر» لا يعني أن الهند باتت قريبة من تسلمه ومقاضاته، إلا أنها تمارس ضغوطاً على باكستان من أجل تسليمه. وعقب التصنيف، أصدرت باكستان توجيهاً رسمياً بتجميد أصوله ومنعه من السفر. ومُنع أظهر أيضاً من بيع أو شراء أسلحة وذخائر.
ومن الواضح أن الصين، التي دأبت على وضع عراقيل تقنية، لم تتمكن في هذه المرة من تبرير موقفها بشأن شخص متهم في سلسلة من الحوادث الإرهابية. وبرغم ذلك، الحقيقة أن هذا التصنيف لا يعني أن باكستان ستكون قادرة على وقف كل أنشطة مسعود أظهر. ففي السابق، تم تصنيف حافظ سعيد إرهابياً عالمياً، لكنه واصل العمل. لذا، سنرى ما إذا كانت السلطات الباكستانية ستتمكن من اتخاذ كل الإجراءات اللازمة ضد أظهر، الذي تفيد تقارير بأنه مريض بشدة.
وقد كان مسعود أظهر أكثر المطلوبين لدى الهند خلال العقدين الماضيين. وعلى مدار سنوات، طالب بشنّ حرب مقدسة على الهند. وفي عام 1994، أوقفته السلطات الأمنية الهندية في كشمير، وقضى خمسة أعوام في السجون الهندية. وفي ذلك الوقت، كان قد شكّل «حركة المجاهدين» المسلحة، وشغل منصب أمينها العام. وفي ديسمبر عام 1999، اختطف خمسة من أتباعه طائرة تابعة لشركة الطيران الهندية كانت متجهة من نيبال إلى نيودلهي، وأجبروا الطيارين على الهبوط في كابول بمنطقة تشهد تبادلاً لإطلاق النار. وطالبوا بإطلاق سراح ثلاثة إرهابيين، من بينهم مسعود أظهر، في مقابل 176 راكباً وأفراد الطاقم المكون من 15 شخصاً. واضطرت الحكومة الهندية آنذاك إلى الموافقة على مطالبهم من أجل إنقاذ حياة المدنيين، الذين أطلق سراحهم بعد ذلك.
وبعد ذلك بوقت قصير، أسس «أظهر» جماعة «جيش محمد» في عام 2000. ومنذ ذلك الحين، أضحى مصدراً دائماً للتوتر بين الهند وباكستان. وستحرص الهند الآن حرصاً شديداً على مشاهدة الإجراءات المتخذة من قبل باكستان ضد «أظهر»، لتحديد مسار العلاقات الهندية الباكستانية في المستقبل. وفي الوقت الراهن، أوقفت نيودلهي عبور التجارة الحدودية مع باكستان عقب هجمات «بولفاما».
لكن على أي حال، من غير المتوقع أن تحدث حركة بين البلدين إلى أن تنتهي الانتخابات في الهند، وتتولى الحكومة الجديدة مهامها. وقد أصبحت بالفعل قضية مسعود أظهر الذي أدرجته الأمم المتحدة على قوائم الإرهاب، قضية سياسية في الحملة الانتخابية الراهنة. وقد أدرجها حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم وزعيمه رئيس الوزراء ناريديندرا مودي في حملتهما السياسية في إشارة إلى قيادتهما الحاسمة. ويُغذي تصنيف «أظهر» إرهابياً النعرة القومية بعد أن سلّط الحزب الحاكم الضوء عليه باعتباره انتصاراً لرئيس الوزراء مودي وقيادته الحازمة.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي