منذ أن فرضت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات على إيران، مبدئيةً منها ومشددة، وإيران تتحدث إلى المجتمع الدولي بلغة استعلاء وتكبر، هي قد تكون غريبة على العالم، لكنها غير مستغربة أن تصدر من دوائر سلطات أصحاب العمائم في طهران، فهم معتادون على ذلك منذ أن وصلوا إلى السلطة بعد الإطاحة بحكم الشاه السابق، بأنهم سيقومون بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية الخارجة من الخليج العربي والداخلة إليه، فهل مثل هذا الأمر ممكن لإيران؟ وهل هي فعلاً قادرة عليه أو على تحمل تبعات وتداعيات ما يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ الواقع أن مثل هذه التهديدات النارية كثيراً ما تصدر عن إيران، لكن في الواقع العملي لم يحدث حتى الآن، وأن قامت بتنفيذ تهديد واحد منذ عام 1979 وهو عام قيام الثورة. هذا في الأحوال العادية، لكن بتهديد خطير كهذا لا يمكن للعالم أن يتركه لمجرد الصدف أو لمزاجية وأهواء أصحاب العمائم الحاكمة في إيران، التي يتوجب عليها أن تعي وتفهم أن مضيق هرمز، هو خط شديد الاحمرار من وجهة نظر المصالح العالمية.
تصعيد الولايات المتحدة الأخير ضد إيران في ما يتعلق بفرض العقوبات المشددة على تصدير النفط، لكي يصل إلى نقطة الصفر له أبعاد أميركية داخلية وخارجية، فالمراقب لتحركات الولايات المتحدة العسكرية المرتبطة بإرسال حاملات الطائرات الضخمة «بي 52» إلى المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، بالإضافة إلى قطع الأسطول الأخرى ذات القدرات المتقدمة يدرك أن العلاقات الأميركية بإيران وصلت إلى مستويات خطيرة جداً تنذر بوقوع حرب وشيكة مدمرة - نحن لا نتمنى أن تقع مطلقاً، لأن تداعياتها السلبية لن تقع على إيران وحدها إنما على جميع دول المنطقة - لكن المؤشرات والأدلة على الأرض تشير إلى أن ذلك أمر محتمل وممكن.
وهنا، فإن مجمل اللوم يقع على إيران ومن يحكمون فيها، فسياساتهم تجاه العالم أجمع مستفزة، ودعمها للإرهاب العابر للحدود وللإرهابيين أمور مثبتة، ونواياهم في تصدير أنموذجهم الفاشل يجري العمل على تحقيقها على قدم وساق، وبرنامجهم النووي عسكري صرف في نهاياته، وتدخلهم في شؤون الآخرين من البحرين إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن مزعجة ومستفزة والحبل على الجرار.
إن موقف المجتمع الدولي المتصدي لإيران وممارساتها الممجوجة لا يتلخص في قضية واحدة من اللاتي أشرنا إليها أعلاه، ولكن في ما يدور بالمكتب البيضاوي وفي تغريدات الرئيس دونالد ترامب على تويتر في واشنطن العاصمة بمستوى أكبر، في فترة هي الآن ممهدة لمعركة الانتخابات الرئاسية القادمة، والانتخابات النصفية لثلث أعضاء الكونجرس الأميركي. والسؤال الملح الذي يتبادر إلى الذهن بهذا الصدد هو هل قرار ترامب، بدعم من حلفائه في الغرب، وفي المنطقة خوض معركة إيران على مياه الخليج العربي في وقت يسبق خوض معركته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية، على أرض الولايات الأميركية الخمسين؟ أم أن معركة إيران ستسبق معركة إعادة الانتخاب لكي يجلس الرئيس ترامب في مكتبه البيضاوي لفترة رئاسية ثانية، وهو أكثر ثقة بالنفس لتنفيذ سياساته المتعلقة بتسوية البرنامج النووي الإيراني ومجمل الأوضاع في الخليج العربي والمنطقة العربية وجوارها الجغرافي، وهي جميعها قضايا شائكة حلولها تتطلب معارك تكسير عظام شرسة لإنهاء ما تبقى أمامها من عراقيل لا يبدو بأنها بسيطة، بدءاً بالنووي الإيراني مروراً بالتغلغل الإيراني في العالم العربي، وانتهاءً بما يتم الحديث عنه الآن بأنه صفقة القرن لحل قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. إن المؤشرات والدلائل المتواجدة أمامنا - الظاهر منها والخافي - بوصلتها تشير بأن ما هو قادم مخيف ومزعج يتوجب الاستعداد له جيداً وعدم الاستهانة به مطلقاً.
*كاتب إماراتي