في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الأسبوع الماضي، صرح وزير الصحة البريطاني «مات هانكوك» بأنه على استعداد للنظر في جميع الخيارات المتاحة، لرفع مستوى التغطية بالتطعيمات الطبية في انجلترا، بما في ذلك سن القوانين والتشريعات، وفرض الغرامات والعقوبات. ويأتي هذا التصريح على خلفية صدور تقرير عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» نهاية الشهر الماضي، اتضح من خلاله أن نصف مليون طفل في بريطانيا لم يتلقوا التطعيم ضد فيروس الحصبة بين عامي 2010 و2017، من بين 170 مليون طفل حول العالم لم يتلقوا أيضاً هذا التطعيم خلال تلك الفترة، بمتوسط أكثر من 21 مليون طفل سنوياً.
وجاء تصريح الوزير البريطاني (أو بالأحرى تهديده) في أعقاب نشر جريدة «التايمز» الشهيرة لتحقيق ادعت فيه أن 40 ألف من الآباء البريطانيين سجلوا أنفسهم في مجموعة على الإنترنت، تطالب بعدم تطعيم الأطفال ضد بعض الأمراض القاتلة، كالتيتانوس مثلا. وهو ما يتوافق مع ما تظهره البيانات والإحصاءات، من أن نسبة الأطفال البريطانيين الذين بلغوا سن الخامسة من العمر وتلقوا التطعيمات ضد فيروسات الحصبة العادية، والحصبة الألمانية، والنكاف، قد انخفضت خلال الأعوام الأربعة الماضية إلى 87 في المئة، وهي أقل من نسبة 95 في المئة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية لوقاية أفراد المجتمع من مرض معد.
هذا الوضع المؤسف، أصبح يتكرر في الكثير من دول العالم، ويثير القلق الشديد لدى أفراد المجتمع الطبي، بما في ذلك داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، حتى بعد أن نجحت الجهات والهيئات الصحية في عكس الاتجاه العالمي المتدهور، وخفض عدد حالات الإصابة بالحصبة من 826 حالة عام 2015 إلى 173 فقط عام 2017، من خلال حملة تطعيمات هي الأكبر في تاريخ الدولة، تم فيها تطعيم 1.5 مليون طفل.
إلا أن مسحاً حديثاً قام به مجموعة من الأطباء بمستشفى توام بالعين، وشمل 400 من الآباء، أظهر تزايد الانطباع السلبي عن التطعيمات داخل الدولة ضمن ما يعرف بمجموعات رافضي التطعيمات (Anti-Vaccination)، حيث زعم هذا المسح أن 10 في المئة من الآباء يرفضون تطعيم أبنائهم.
وبخلاف هذا الشك والارتيابية من قبل جزء لا يستهان به من المجتمع، أوضح المسح الذي أجراه أطباء مستشفى توام، تدني وضعف المعلومات العامة عن دور وأهمية التطعيمات الطبية. فعلى سبيل المثال، لا يدرك نحو نصف من شاركوا في المسح أن التطعيمات يمكنها أن تقي من بعض أنواع السرطان، بينما أعرب 36 بالمئة منهم عن عدم يقينهم إذا ما كانوا سيمنحون موافقتهم على تطعيم أبنائهم بتطعيم جديد أو حديث.
وحالياً لم تسلم دولة أو مجتمع من الإشاعات والأكاذيب الملفقة حول التطعيمات الطبية، والتي دحضها العلم الحديث، بينما دعمت فعاليةَ التطعيمات وأهميتَها، وأمنَها وسلامتَها، جميعُ الهيئات والمنظمات الدولية، والمراكزُ العلمية المرموقة حول العالم. وحتى الدول الغربية الصناعية، التي تتمتع بأفضل نظم الرعاية الصحية في العالم لم تسلم هي الأخرى من شكوك وشائعات كهذه حول التطعيمات.
ففي الولايات المتحدة مثلا، أعلن عمدة مدينة نيويورك حالة الطوارئ بداية الشهر الماضي، بسبب تفشي وباء محلي من فيروس الحصبة في بعض أحياء مقاطعة بروكلين، مع تنبيه المقيمين في تلك الأحياء إلى ضرورة الإسراع في تلقي التطعيم ضد الفيروس أو التعرض لغرامة مالية. وعلى المنوال نفسه، وقبلها بأسبوعين، أعلنت أيضاً إحدى مقاطعات ولاية نيويورك حالة الطوارئ، وأصدرت قراراً بمنع الأطفال غير المطعمين من الوجود في الأماكن العامة، ومعاقبة من يخالفوا هذا الأمر بغرامة مالية قدرها 500 دولار، والسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر، وذلك بعد تسجيل 153 حالة إصابة، كما شهدت ولايات أخرى وضعاً مشابهاً.
ومؤخراً لجأت عدد من الدول الأوروبية، وبالتحديد إيطاليا وألمانيا، لسن القوانين والتشريعات الهادفة إلى رفع نسبة التطعيمات بين الأطفال وباقي السكان بوجه عام. ففي إيطاليا أصدرت الحكومة قراراً بضرورة تلقي الطفل لعدد 12 تطعيماً ضد أمراض الطفولة الشائعة، ورفض تسجيله أو التحاقه بالمدارس الحكومية إذا عجز الأبوان عن إثبات تلقي طفلهم لتلك التطعيمات بالكامل، وإذا ما لم يقم الأبوان بتطعيم طفلهما قبل بلوغه سن السادسة، أو سن بدء الدراسة، تفرض عليهما حينها غرامة. وفي ألمانيا، وعلى الرغم من أن القانون لا يجبر الأبوين على تطعيم أطفالهما، فإن الحكومة بدأت في إصدار تشريع يفرض غرامة بمقدار 2500 يورو (نحو 10 آلاف درهم) على الآباء الذين لا يراجعون أطباء أطفالهم لطلب المشورة والنصيحة الطبية في هذا الأمر، مع إلزام حضانات الأطفال بالإبلاغ عن الآباء الذين يعجزون عن تقديم ما يفيد قيامهم بمراجعة أطباء أطفالهم في هذا الشأن.