هناك القليل الذي يمكن أن يوقف الهجوم الوحشي الحالي في شمال غرب سوريا، حيث شنت القوات الروسية والإيرانية وقوات نظام الأسد هجوماً عسكرياً كبيراً أرغم ملايين المدنيين على الهرب للنجاة بأرواحهم. ولكن التاريخ يُظهر أنه إذا تحرك الرئيس دونالد ترامب وحاول وقف المذبحة، فإن ذلك سيكون له تأثير حقيقي على الميدان، بل إن حتى تغريدة رئاسية على تويتر تستطيع إنقاذ أرواح، ولكن الوقت مهم للغاية.
وهناك الكثير الذي يجري في السياسة الخارجية الأميركية حالياً. ذلك أن إدارة ترامب تتعامل مع أزمة إيرانية متصاعدة، وإطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، ومفاوضات تجارية غير أكيدة مع الصين، ومحاولة لخلع النظام الفنزويلي. وبالتالي، فليست مصادفة أن بشار الأسد وموسكو اختارا هذه اللحظة من أجل استعادة السيطرة على آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في سوريا باستخدام أساليب الأرض المحروقة، مرتكبين انتهاكات في الأثناء.
منطقة إدلب يسكنها 3 ملايين مدني، بينهم مليون طفل، انتقلوا إلى هناك من مختلف مناطق البلاد لأنهم رفضوا الاستسلام لنظام الأسد. والآن هناك صمت مطبق يصم الآذان من المجتمع الدولي بشأن ما يجري في إدلب.
جيمس جيفري، مبعوث وزارة الخارجية الأميركية الخاص إلى سوريا، قال لي إن الحكومة الأميركية ترى «تصعيداً كبيراً» من قبل النظام وحلفائه في إدلب، وإنها تستخدم القنوات الدبلوماسية من أجل تخفيف القتال. وقال: «إننا نثير هذا الموضوع مع الروس على كل المستويات، مضيفاً: «إن أي عملية كبيرة داخل إدلب ستمثل تصعيداً متهوراً للنزاع».
ويقول جيفري إن الأسد يعتمد على القوة الجوية الروسية، وموسكو سخّرت الكثير منها للهجوم. وهذا يعني أن موسكو تنتهك بشكل سافر اتفاق وقف إطلاق النار وخفض التوتر الذي وقّعته مع تركيا العام الماضي في سوشي الروسية. وحتى الآن، تتجاهل موسكو تحذيرات جيفري. أما الحكومة الروسية، التي تعرضت قاعدتها في إدلب للقصف، فتبدو غير قادرة أو غير مستعدة لوقف وقوع مزيد من الانتهاكات في إدلب. ولكن التاريخ يُظهر أنه عندما يريد ترامب التدخل في سوريا لحماية المدنيين، فإن موسكو تنصت.
ففي أبريل 2017، عندما أطلق ترامب صواريخ على النظام السوري أول مرة، كان يرد على هجوم بالأسلحة الكيماوية في إدلب بدا أنه بداية الهجوم نفسه الذي نراه الآن. وهكذا، أقنعت أعمالُ ترامب الأسدَ وبوتين بالتراجع. وبعد أن أخبر ناشط سوريا ترامب في حفل لجمع التبرعات بأن الهجوم في إدلب بدأ من جديد، بعث الرئيس بتغريدات على تويتر في سبتمبر الماضي جاء فيها أن الأسد «يجب ألا يتهور ويهاجم إدلب»، وأن روسيا وإيران يجب ألا تدعما «مأساة إنسانية ممكنة». فأتت التغريدة أكلها.
الآن، تختبر موسكو ترامب من جديد. ولكن الرئيس صامت حتى الآن. وهذا له تأثير داخل جهاز الأمن القومي الأميركي. فقد أخبرني عدد من الأشخاص الذين يعملون مع الوكالات الحكومية الأميركية على الميدان في سوريا بأن المسؤولين الأميركيين، عبر الجهاز البيروقراطي، ينتظرون إشارة من ترامب تؤشر إلى نيته قبل أن ينتقلوا للاشتباك في إدلب.
والسيناتور ليندسيي جراهام (الجمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية) يدرك أهمية إشارات ترامب الشفهية. فقد دعا الرئيسَ في تغريدات هذا الأسبوع إلى رفع صوته وحماية إدلب. والأكيد أن بوتين أيضاً يدرك أن كلمات ترامب فقط هي التي تهم حقاً في سياسة الولايات المتحدة الخاصة بسوريا.
إن السوريين سيتذكرون أن العالم تخلى عنهم عندما كانوا في أمس حاجة للمساعدة. كما أن الفظاعات الجديدة ستغذّي مزيداً من التطرف. وأزمة اللاجئين الجديدة ستزيد من زعزعة استقرار تركيا والشرق الأوسط وأوروبا.
والواقع أنه من الغرابة أن يكون مصير ملايين الأشخاص مرهوناً بما إن كان ترامب سيقرر رفع صوته لحمايتهم. ولكن هذا هو واقع الحال اليوم. وبالتالي، رجاء يا سيدي الرئيس، اكتب شيئاً في تغريدة على تويتر، قل شيئاً، افعل شيئاً – أي شيء – قبل فوات الأوان. إن سكان إدلب سيذكرون فضلك، إن نجوا وظلوا على قيد الحياة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»