يُستخدم تعبير «صفقة القرن» للإشارة إلى خطة أعلنت الإدارة الأميركية الحالية، منذ ما يقرب من عامين، أنها تسعى إلى بلورتها تمهيداً لطرحها على طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ليس معروفاً بدقة أصل هذا التعبير، الذي استُخدم في الإعلام أولاً، ثم انتشر على نطاق واسع. لكن طول أمد إعداد هذه الخطة أدى إلى شكوك في وجودها، أو في إمكان طرحها. ومن هنا أهمية حديث «مهندسها» الأول جاريد كوشنر مستشار الرئيس ترامب وصهره، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في الثاني من مايو الجاري. فقد تحدث كوشنر عن بعض الملامح الأساسية لخطة السلام الأميركية، وبدا واثقاً في أن منهجها الجديد سيغير طريقة التفكير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مستقبلا، حتى إذا لم يحدث هذا التغيير في الوقت الراهن.
ويمكن فهم طول فترة إعداد الخطة في ضوء أن الصعوبات التي تواجه إدارة ترامب في تعاطيها مع هذا الصراع أكبر من تلك التي أعاقت الإدارات الأميركية السابقة كلها، منذ إدارة بل كلينتون (يناير 1993 -يناير 2001). تحمل إدارة ترامب على كاهلها عبئاً إضافياً لأنها أكثر انحيازاً إلى إسرائيل من الإدارات السابقة، فضلاً عن اقتناع رئيسها بأن المعادلة الأساسية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تقوم على السلام مقابل الاقتصاد، وليس السلام مقابل الأرض.
الخطة الأميركية تبدو، إذن، في ضوء حديث كوشنر، حقيقية بخلاف ما يرد في خطاب متداول في أوساط عربية عدة، ويصل في بعض تجلياته إلى تصور أن هذه الخطة ليست إلا وهماً أو خداعاً.
ورغم أن كوشنر لم يقدم، في ندوة معهد واشنطن، سوى بعض ملامح الخطة المتوقع أن تكون شديدة التفصيل، ربما يفيد تقارب الأفكار بين فريقه، ومعهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل INSS، في توقع اتجاهها العام والعناصر الأساسية فيها. ومن هنا أهمية دراسة التصور الذي يطرحه هذا المعهد، في تقريره السنوي «المسح الاستراتيجي لإسرائيلي 2018-2019»، والذي ينطلق من منهج سلام مقابل اقتصاد. ويقتصر هذا التصور على الضفة الغربية اعتقاداً في أن «حل مشكلة قطاع غزة ليس شرطاً مسبقاً لتحقيق تقدم» وفق ما ورد في التقرير، على أساس أن القطاع يحتاج عملاً لتحسين الوضع الإنساني، وإعادة الإعمار عن طريق آلية دولية توفر التمويل اللازم، إلى جانب ضمان إنهاء الأعمال العسكرية ووقف التسلح. لذا، ليس متوقعاً أن يعطل التصعيد العسكري الذي حدث في القطاع الأسبوع الماضي إعلان الخطة وفق التوقعات الراجحة.
ويتضمن تصور المعهد الإسرائيلي عناصر كثيرة ربما يكون ثلاثة منها ضمن ما يفكر فيه معدو الخطة الأميركية. أولها نقل السيطرة الكاملة على «المنطقة ب» إلى السلطة الفلسطينية، ليصبح وضعها مماثلاً لـ«المنطقة أ» التي تتولى السلطة الفلسطينية إدارتها بشكل كامل. وتمتد المنطقتان على نحو 40% من مساحة الضفة الغربية. ويتيح تواصل المنطقتين فرصة لإقامة نواة دولة فلسطينية في فترة تالية. ولأن استبعاد قطاع غزة من الخطة الأميركية المنتظرة يعني أنها لا تقدم حلاً نهائياً، حتى إذا تحدث معدوها عن مثل هذا الحل، بل تسوية مؤقتة أخرى. وفي هذه الحال تبقى الفرصة قائمة لإقامة دولة فلسطينية عندما تصبح الظروف مهيأة لحل نهائي. وربما يكون الوضع الفلسطيني قد تحسن حين تتوفر إمكانات هذا الحل.
والعنصر الثاني تكريس السيطرة الإسرائيلية على مناطق التجمعات الاستيطانية الكبرى، ووادي الأردن، وطريق آلون، ومواقع استراتيجية أخرى، في مساحة تصل إلى 20% من الضفة الغربية، تحت عنوان «منطقة أمنية خاصة». ويعني هذا تطبيق قوانين إسرائيل المدنية في مناطق تخضع لحكمها العسكري، لكن بدون إعلان فرض السيادة عليها رسمياً، على الأقل في البداية.
أما العنصر الثالث، الذي يهدف إلى إغراء الفلسطينيين، فهو تخصيص مساحة تصل إلى 25% من «المنطقة ج» لإقامة مشاريع بنية أساسية وتنمية لدعم الاقتصاد الفلسطيني بالتعاون مع المجتمع الدولي، على أن يتم نقل السيطرة على هذه المناطق تدريجياً إلى السلطة في رام الله بمقدار ما تبديه من تعاون.
وحين نتأمل هذه العناصر الثلاثة، نجد أن أية خطة تقوم على منهج سلام مقابل اقتصاد لابد أن تتضمن محتواها بغض النظر عن التفاصيل. وهذا هو ما يُفترض أن يدرسه الفلسطينيون جيداً وجدياً، لتقديم تصور متماسك عند إعلان الخطة الأميركية، والاشتباك الإيجابي معها، بدل إضاعة الوقت والجهد في هجائها.