عند نشر الصحيفة خبراً حول حكم جزائي صادر من المحكمة، ينصب الخبر على منطوق الحكم وعلى سردٍ موجزٍ للواقعة، إذ أن يد الصحيفة لا تصل إلى التحقيقات التي أجريت، والمساحة المخصصة لنشر الخبر لا تكفي لإيراد حيثيات وأسباب الحكم.
وهذه الأخبار، بتلك الكيفية، تثير اللغط بين الناس، فتارة الجريمة خطرة والعقوبة خفيفة، وتارة الجريمة بسيطة والعقوبة شديدة، وتارة ثمة خبرين حول جريمتين متشابهتين، لكن العقوبة الصادرة فيهما متفاوتتان بشكل واضح. وفضلاً عن عيوب النشر المقتضب، فإنه ليس بوسع الصحيفة أن تستعين في كل خبر بمتخصص يزيل اللبس الذي قد يحدث في الأذهان.
ومع ذلك، ليس من شأن هكذا أخبار إشاعة جو من الخوف والارتياب بين عموم القراء، لأن اللبس الحاصل لهم لا يتعلق بهم وبسلوكهم وتصرفاتهم، وإنما بجريمة وقعت وصدر فيها حكم.
وقد اختلف الحال اليوم مع ظهور الحسابات الإخبارية التي يتابعها الكثير من الناس، ويستقون منها الأخبار حول الشؤون المحلية، ومنها التعليقات القانونية حول القوانين الجزائية التي تحدد لهم الأقوال والأفعال التي يشكل إتيانها جرائم معاقب عليها.
وأكثر هذه التعليقات منقولة أساساً من موضوعات قانونية منشورة في الصحف. ولأن الاختصار والإيجاز سمة من سمات مواقع التواصل، فتكتفي الحسابات الإخبارية بـ«التقاط» تعليقات موجزة، وإجراء بعض «الفهلوة» عليها، ثم إعادة نشرها في حساباتها.
هذه الاختصارات التي تمليها طبيعة مواقع التواصل تفسد الإيضاحات القانونية المفصّلة التي وردت في الصحيفة، ومع الاجتزاء الذي يقوم به شخص غير متخصص في القانون، ومحاولته تكثيف الإيضاح ظناً منه أن المعنى لا يتغير، فإننا في النهاية نكون أمام موضوعات غريبة تنتشر على نطاق واسع.
مثلاً انتشر قبل أيام على تلك الحسابات موضوعاً أثار بلبلة كبيرة في مواقع التواصل، جاء فيه أن عبارة «لا تخليني أفطر عليك»، والتي قد يقولها بعض الصائمين الذين لا يستطيعون ضبط انفعالاتهم، تشكل جريمة تهديد تصل عقوبتها إلى السجن سبع سنوات! وهذا الكلام لا يمت للقانون بصلة، ولا يسع المقام لبيان جملة الأخطاء الواردة في ذلك التعليق الغريب.
وقبل فترة تداولت تلك الحسابات الإخبارية موضوعاً غريباً آخر جاء فيه أن النظرة الطويلة غير المريحة للمرأة، والتفحّص في ملامحها أو جسدها، تعد نوعاً من خدش الحياء، يحق للمرأة بناء عليه التقدم بشكوى، وفي حالة إثبات صحة دعواها، فإن صاحب النظرة الطويلة غير المريحة قد يحاكم ويصدر ضده حكم بالحبس أو الغرامة أو الإبعاد.
وهذا الموضوع خاطئ مثل سابقه، وخاطئ أيضاً مثل موضوع أثار بلبلة حول أن ما تتبادله الأمهات في «جروبات الواتس أب» بشأن ارتفاع الأسعار أو غلاء المعيشة، ويتعرضنّ في رسائلهن لجهات حكومية أو خاصة، قد يشكل جريمة يعاقبن عليها.
وكل هذه «الأشياء» القانونية منعدمة الصلة بالقانون، وتشيع ثقافة قانونية مغلوطة، وتعطي الانطباع عن القوانين بأنها غير منطقية تعاقب على النظرة والكلمة والهمسة، وتثير الرعب في نفوس الناس، وتربكهم، وتثير قلقهم حول المصير الذي قد يواجهونه بسبب عبارات أو تصرفات تعتبرها تلك الحسابات جرائم، وهي في الحقيقة ظنون وأوهام.