في السادس من مايو الجاري، انتخب «حزب الخضر» الكندي ثاني أعضائه في البرلمان منذ تأسيس الحزب قبل 35 عاماً. وكما هي الحال مع كل نجاح ضئيل يحققه هذا الحزب، يعتبر فوز «بول مانلي» بفارق ضئيل تطوراً مثيراً للاشمئزاز على طريق انحطاط الديمقراطية الكندية، وانتصاراً للسياسة الشعبوية الجاهلة والظلامية، مكّنه بصورة مذهلة تحيز وسائل الإعلام غير المسؤولة.
فبعض الصحف الكندية اكتظت خلال الأعوام الـ15 الماضية بتكهنات متهورة لا متناهية مفادها أن حزب الخضر، ربما يدخل قريباً، بحسب كلمات «ناشونال بوست»، المعترك السياسي الحقيقي. وعلى رغم من أن كندا بها أكثر من عشرة أحزاب صغيرة تلهث من أجل لفت الانتباه، لكن يبدو في مرحلة ما أن وسائل الإعلام الكندية قررت عشوائياً أنه يجب على الدولة أن تدعم حزب «الخضر» بصورة جماعية، ومن ثم لا تدع هذه الوسائل شاردة ولا ورادة عن الحزب إلا واحتفت بها.
والسذاجة غير الواعية التي تعزز هذه الظاهرة واضحة بما يكفي، فمجموعة من الكتاب اعتبروا أن «البيئة» تستحق مكاناً أفضل بروزاً في السياسة الوطنية، مقرونة باحترام للمهارات الاستثنائية في تسويق الذات التي تتمتع بها «إليزابيث ماي»، التي تتزعم حزب الخضر منذ وقت طويل. وخلال رئاستها للحزب المستمرة منذ 13 عاماً، بذلت «ماي» جهوداً مضنية من أجل بناء سمعة شخصية باعتبارها أكثر السياسيين العاملين في كندا طيبة ونبلاً وحكمة وأخلاقاً وحزماً.
ومن الناحية العملية، تضمنت جميع التقارير حول حزب الخضر في عصر «ماي» تكراراً للعبارات المبتذلة ذاتها على اختلافها. ففي كل انتخابات فيدرالية، أو حتى محلية، تظهر قصص إخبارية تقول أشياء من قبيل أن حزب «ماي» «يعتزم تحقيق مفاجئة»، و«من الممكن أن يصنع التاريخ»، أو أن «للناخبين قولاً آخر تجاه (الخضر) هذه المرة»، و«على الأحزاب الأخرى أن تقلق». و«بعض السيناريوهات غير الواعية التي تتكهن بأن ماي سينتهي بها المطاف لتصبح صانعة القرار الأولى في البرلمان المقبل»، وأن «الجميع يوافقون على أنها يجب أن تشارك في نقاشات تشكيل الوزارة المقبلة».
وتُتمم وسائل الإعلام هذه التغطية بتقارير شخصية عن بعض جوانب حياة «ماي» الشخصية المذهلة، مثل طلاقها وابنتها وديانتها وارتباطها وزواجها الثاني وبصمتها الكربونية المنخفضة، وهكذا!
وفي مقابل وابل الدعاية الذي لا يهدأ هذا، لم تحقق «ماي» الكثير. وخلال العقد الأول على رأس الحزب، لم ينجح سوى مرشح واحد لـ«الخضر» في دخول البرلمان هو «ماي» نفسها، وتضاءل التأييد الشعبي على المستوى الوطني للحزب إلى 3.5 في المئة، وهو معدل أقل حتى مما حققه سلفها الذي لم يعد أحد يتذكر اسمه، في عام 2004.
وتشي حقيقة أن «ماي» وحزبها ظلا غير مقنعين على الإطلاق للناخبين، على رغم من التغطية الإعلامية الواسعة لمصلحتها، بمدى جعلها لحزب «الخضر» في كندا مثيراً للاشمئزاز. وبعيداً عن تعزيز شعبية حزبها الهش، فإن قيادتها جعلت منه حليفاً أكثر فاعلية لأصحاب نظريات المؤامرة.
وهناك جهود كثيرة بُذلت مؤخراً لربط حزب «المحافظين» وحزب «الشعب» الناشئ في كندا، بالقوميين البيض، لكن الحزب الوحيد الذي يعاني من معاداة السامية بين صفوفه سراً وعلانية في الحقيقة هو حزب «الخضر» بقيادة «ماي».
وكان مرشح حزب «الخضر» في «بريتش كولومبيا» عام 2008 قد أشار إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بأنها «هجوم على مقر البنك العالمي سيئ السمعة الذي بناه اليهود في أميركا». (والحقيقة أن الحزب فصل المرشح بعد منشوره)، لكن في عام 2015، نحّت مرشحة باللائمة في هزيمتها على «فصيل يهودي داخل الحزب»، ونشرت تعليقاً على«فيسبوك» تشبّه فيه اليهود بالنازيين. والمرشحة التي خاضت الانتخابات ثلاث مرات عن حزب «الخضر» كانت من منكري الهولوكوست والمشهورين بمعاداة السامية، وأدينت مؤخراً في ألمانيا بـ«التحريض على الكراهية».
وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر أن «مانلي»، العضو الجديد رفيق «ماي» في البرلمان، هو عضو سابق في الحزب «الديمقراطي الجديد»، وكان قد أقيل من الحزب في 2014 لأسباب يعتقد هو نفسه أن لها علاقة بحدة آرائه حول إسرائيل.
وهذا النهج قد لا يكون مرتبطاً بكل أعضاء حزب «الخضر»، لكن يكشف كيف أصبح انتقاد إسرائيل أداة حماسية في المنافسة السياسية الكندية. وقد يواصل الحزب اعتناق مذهب الحفاظ على البيئة باعتباره مذهبه الأساسي، لكن الكنديين الجادين لن ينتموا إلى حزب بسبب سياسته حول التغير المناخي فقط.
جيه جيه ماكلوف
كاتب كندي متخصص في الشؤون السياسية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»