كنتُ قد أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى أن الرئيس دونالد ترامب ورث وضعاً مشوشاً وخطيراً للغاية في الشرق الأوسط. وللأسف فإن العامين اللذين قضاهما في الرئاسة لم يحسّنا الأمور. فهو اليوم يواجه أزمات على عدد من الجبهات في المنطقة، وجميعها من المحتمل أن تجر الولايات المتحدة نحو حرب إقليمية بدلاً من أن تُخرج القوات الأميركية من المنطقة، مثلما كانت رغبته الأولى. وجزء من المشكلة هو النصائح المختلطة التي يتلقاها من مسؤولي الأمن القومي.
فعندما كان إتش. آر. ماكماستر مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي والجنرالُ جيمس ماتيس وزيرَه في الدفاع، كان لدى ترامب عسكريان محنكان وحذران من أن تُجرّ أميركا إلى حرب في الشرق الأوسط. وكانا قلقين بشكل خاص بشأن مواجهة ممكنة مع إيران، رغم أن لدى كلا الرجلين سبباً قوياً ووجيهاً للاستياء من إيران بسبب دورها العدائي ضد القوات الأميركية، خلال ذروة حرب العراق وهجمات إرهابية سابقة ضد الأميركيين في لبنان والسعودية.
وعلى الرغم من أن هذين المستشارين لم يكونا متفقين بشأن عدد من القضايا، إلا أن كليهما كانا قلقين بشأن محدودية خبرة الرئيس في السياسات الأمنية والخارجية، وعدم إصغائه لنصائحهما. وقد أُعفي ماكماستر من مهامه في مارس 2018 واستُبدل بجون بولتون في أبريل 2018. أما ماتيس، فقد استقال في ديسمبر 2018 على خلفية قرار ترامب الارتجالي سحب القوات الأميركية من سوريا.
ماتيس ما زال لم يُستبدل بعد رسمياً من قبل ترامب، لكن وزير الخارجية مايك بومبيو بات يلعب دوراً واضحاً، وعلى نحو متزايد في تحديد أهداف السياسة الأميركية عبر العالم، لاسيما في الشرق الأوسط. ويتقاسم كل من بولتون وبومبيو عداءً خاصاً تجاه إيران، ويدعوان إلى تعامل أكثر صرامة تجاه الملالي. ففي يناير 2019، زار بومبيو القاهرة، وقال من جملة ما قال: «في سوريا، ستستخدم الولايات المتحدة الدبلوماسية، وسنعمل مع شركائنا من أجل طرد آخر جندي إيراني، والعمل عبر عملية تقودها الأمم المتحدة لجلب السلام والاستقرار إلى الشعب السوري، الذي يعاني منذ وقت طويل. ولن تكون ثمة أي مساعدة أميركية في إعادة الإعمار للمناطق السورية، التي يسيطر عليها الأسد، حتى تنسحب إيران ووكلاؤها ونرى تقدماً لا رجعة فيه نحو حل سياسي». لكن ما لم يوضحه بومبيو وقتئذ، أو في أي وقت منذ ذلك الحين، هو كيف بالضبط يتوقع أن يتم طرد «آخر جندي إيراني» من سوريا. وفضلاً عن ذلك، فإن حقيقة أن وكيل إيران الرئيسي، وهو «حزب الله»، موجود في لبنان المجاور، يوحي بأن تهديد بومبيو ووعيده هدفهما الترهيب فقط، أو بأنه لم يفهم العلاقات الوثيقة بين الشيعة والعلويين في المنطقة. ثم إنه لا أحد يتوقع من روسيا، التي تعتبر أميركا أكبر تحد لها، أن تكون متعاونة وتأمر إيران بالخروج من سوريا.
وفي ربيع 2019، اشتدت أعمال إدارة ترامب ضد إيران عقب قولها، على نحو لا يخلو من مصداقية، إن طهران تتصرف على نحو مثير للاستفزاز. وفي أبريل، صنفت الولايات المتحدة الحرسَ الثوري «منظمةً إرهابيةً»، وعلى الفور، زعمت إيران بأن كل القوات الأميركية في منطقة الخليج موجودة هناك بشكل غير قانوني. وفي 5 مايو 2019، أعلن بولتون (وليس ترامب) أن حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لينكولن، وسفن الدعم التي ترافقها إلى جانب قاذفات القنابل الاستراتيجية بي 52، أُرسلت إلى الشرق الأوسط. كل هذه الخطوات التصعيدية تهدف، إلى جانب تشديد العقوبات الاقتصادية، إلى ممارسة الضغط على القيادة الإيرانية حتى تغيّر سياساتها في المنطقة. لكن الرد الإيراني تميز بالتحدي، وحتى الآن، ليس ثمة أي مؤشر على اعتزام أي جانب التراجع.
والحال أنه من شأن مواجهة عسكرية كبيرة مع إيران أن تكون خطيرة بالنسبة لكل الأطراف. فالتداعيات الاقتصادية على سوق النفط معتبرة، شأنها شأن التهديدات بالنسبة للقوات الأميركية في المنطقة. ذلك أن لدى إيران بعض الوكلاء لإحداث بعض الأضرار بالمصالح الأميركية. وفي غياب عمل استفزازي جداً من قبل إيران، فإن الولايات المتحدة لا يمكنها التعويل على دعم من حلفائها في أوروبا. وبالمقابل، فمن المحتمل أن تحصل على الدعم من معظم دول المنطقة، وفي هذه الحالة قد تصبح إسرائيل في مرمى الأسلحة الإيرانية الانتقامية. ويشمل ذلك بعض صواريخ أرض- أرض الجديدة والمحسّنة في لبنان.
ثم إن الحرب مع إيران ليست الأزمة الوحيدة التي ينبغي لترامب أن يقلق بشأنها في المنطقة. فمن المشاكل البارزة الأخرى هناك أيضاً العلاقات مع تركيا، ومصير الأكراد السوريين، والمبادرة الأميركية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، والصعود المحتمل لتنظيم «داعش» كتنظيم إرهابي فعال ومتحفز.