في الانتخابات الهندية الحالية، أصبحت الأخبار الكاذبة التي تُتداول على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمثّل مشكلة كبيرة بالنسبة للسلطات الهندية. فالهند تشهد حالياً انتخابات، ممتدة على فترة شهر ونصف الشهر، من أجل تقرير ما إن كان رئيس الوزراء ناريندرا مودي سيبقى في السلطة. وهو يتنافس مع حزب المعارضة الرئيسي، المؤتمر، الذي يقوده «راهول غاندي»، وعدد من الأحزاب المحلية. غير أن مشكلة الأخبار الكاذبة التي تتخذ أشكال محاكاة، وصور مفبركة، ومقاطع فيديو زائفة استفحلت خلال هذه الانتخابات في وقت صعدت فيه وسائل التواصل الاجتماعي إلى الواجهة كوسيلة مهمة في الحملة الانتخابية بالنسبة للسياسيين.
ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثّل طريقة مهمة لتواصل السياسيين مع الناخبين باستخدام منصات مثل «واتساب» «وفيسبوك» في الحملة لإقناعهم واستمالتهم. غير أن هذه الانتخابات عرفت تفشياً كبيراً للأخبار الكاذبة. واللافت أن معظم المعلومات الكاذبة التي يتم ترويجها منظمةٌ بشكل جيد ومربوطةٌ بقضايا راهنة، ما يشير إلى إمكانية أن تكون من صنع الأحزاب السياسية نفسها بهدف الطعن في مصداقية منافسيها وتحقيق مكاسب انتخابية. ولئن كان واضحاً أن كل الأحزاب السياسية تقريباً تقف وراءها، فإن هذه الأخيرة تتهم بعضها بعضاً اختلاق أخبار كاذبة وتنكر مسؤوليتها الخاصة.
وكان مستخدم لـ«فيسبوك» قد نشر في شهر مارس الماضي منشوراً تضمن مقطعاً صوتياً لحوار مزعوم بين وزير الداخلية الهندي وزعيم الحزب الحاكم وامرأة غير معروفة يزعم أن هجوم بولواما، الذي قتل فيه 40 جندياً هندياً، كان مدبراً من قبل الحكومة بهدف التسبب في تفجر للأعمال العدائية، وبالتالي إقناع الناخبين بالتصويت على أساس الأمن والقومية لصالح الحزب الحاكم.
ولكن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتلقون أيضاً أخباراً كاذبة تحتوي على مواد حساسة طائفياً. والحال أنه إذا كان انتشار الأخبار الكاذبة سيئاً لأي بلد، فإنه حساس بشكل خاص بالنسبة للهند. وقد أصبح انتشار المقاطع المفبركة يمثّل مشكلة كبيرة في الهند. ذلك أن الكثير من الناس، ولاسيما في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة، أصبح لديهم وصول إلى شبكة الإنترنت من خلال هواتفهم الذكية لأول مرة، ويظنون أن كل ما يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي حقيقي.
ولدى الهند 300 مليون مستخدم لفيسبوك و240 مليون مستخدم لواتساب. وفي مثال لكيف يمكن أن تصبح هذه الأخبار الكاذبة قاتلة، فإن أكثر من ستة أشخاص قُتلوا بشكل غير قانوني من قبل الحشود في مناطق مختلفة من البلاد بسبب شائعات اختطاف الأطفال. وفي هذه الانتخابات، يمكن لهذه الأخبار الكاذبة المتعلقة بالانتخابات ومقاطع الفيديو المفبركة أن تؤثّر على الناخبين وتدفعهم للتصويت على حزب معين. ذلك أن كثيراً من الناس يظنون أن كل ما يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي حقيقي. وعلى سبيل المثال، بعد أن شنت الهند ضربات جوية ضد باكستان، أسرت الأخيرة طياراً هندياً. وكانت الهند قد شنت ضربات جوية رداً على هجوم من قبل إرهابيين قتل فيه 40 جندياً. وإذا كان الطيار قد أُفرج عنه بسرعة بعد القبض عليه ما أدى إلى خفض التوتر، فإن الضربة الجوية ضد باكستان أصبحت موضوعاً انتخابياً كبيراً.
ويُنظر إلى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم على أن لديه امتيازاً في هذه الانتخابات على خصومه؛ ولكنه عانى أيضاً من سلسلة من المشاكل من البطالة إلى أزمة المزارعين. وعلى هذه الخلفية، تمثلت استراتيجية الحزب الحاكم الانتخابية في التركيز على الأمن القومي، وهو موضوع عاطفي يروق لكثير من الناس من أطياف اجتماعية مختلفة، وخاصة في المناطق الحضرية. وفضلاً عن ذلك، فإن موضوع القومية يلقى صدى في مناطق كثيرة من البلاد. وهذا ما يفسر التأثير القوي الذي تركه منشور انتشر بشكل فيروسي على فيسبوك يزعم أن الطيار الذي أفرجت عنه باكستان عبّر صراحة عن دعمه للحزب الحاكم وأنه صوّت للحزب في الانتخابات البرلمانية الحالية. في هذا المنشور تظهر صورة شخص يشبه الطيار، ويبدو فيه مرتدياً رمز الحزب الحاكم. وإذا كان هذا المقطع مفبركاً، فإن معظم الناس يظنون أنه حقيقي وخاصة في المناطق الريفية من الهند.
اللجنة الانتخابية التي تنظم الانتخابات على صعيد البلاد دعت شركات وسائل التواصل الاجتماعي في بداية السنة إلى البدء في معالجة هذه المشكلة. والأسبوع الماضي أعلنت «فيسبوك» أنها حذفت مئات الصفحات المرتبطة بالأحزاب السياسية الكبيرة بسبب «سلوك زائف منسق»، وقالت إنها لا تريد أن تُستخدم خدماتها «للتلاعب بالناس». ومن جانبها، أطلقت «واتساب» ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الهنود التبليغ عن معلومات أو شائعات لرقم في «واتساب» حتى يستطيعوا التحقق من صحته وصدقيته.
غير أنه في مؤشر على مدى استفحال المشكلة، وجدت دراسة أجرتها شركة إنترنت ناشئة و«معهد الحكامة والسياسات والسياسة» في نيودلهي أن أكثر من 53 في المئة من الهنود تلقوا أخباراً كاذبة وفبركوا مقاطع متعلقة بالانتخابات المقبلة على منصات مختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي. كما أكدت أن فيسبوك وواتساب استُخدما بشكل رئيسي لإشاعة المعلومات المغلوطة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي