عندما أصدر قادة الاتحاد الأوروبي مخططهم للمستقبل خلال القمة التي عقدت في رومانيا هذا الأسبوع، كانت أولوياتهم واضحة:
«سنظل متحدين، في السراء والضراء»، هكذا تعهد رؤساء الحكومات الـ27 الحاضرون، في البند الثاني من التزاماتهم العشرة، ووعدوا «بالوقوف معاً بشكل دائم». وفي مواجهة العديد من القضايا التي تقسم الاتحاد الأوروبي حالياً، والتي تتراوح بين كيفية التعامل مع الولايات المتحدة والصين والوسيلة التي يجب أن تتعامل بها الكتلة مع المهاجرين، يعد هذا هدفاً طموحا للغاية.
لكن فيما يتعلق بالتحدي الحاسم الذي حقق فيه الاتحاد الأوروبي طموحه: عندما تعلق الأمر بالتفاوض حول شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أي «بريكست»، وقفت الدول الأعضاء جنباً إلى جنب منذ ثلاث سنوات.
وتوقع كثيرون في لندن أن يستفيدوا من الانقسامات الأوروبية لانتزاع تنازلات من بروكسل، لكن ذلك لم يحدث. وبينما لا تزال رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» تكافح للفوز بموافقة برلمان بلادها على الاتفاقية، حصل الاتحاد الأوروبي على الصفقة التي يريدها بالضبط. فهل يمكن استغلال هذا النجاح لإيجاد التضامن الأوروبي المنشود بشأن القضايا الرئيسية الأخرى؟ تقول مسؤولة دبلوماسية من بروكسل: «هذا ما يطالب به الاتحاد الأوروبي نفسه: دعونا نستخدم هذه الوحدة في أماكن أخرى أيضاً». وأضافت الدبلوماسية التي طلبت عدم الكشف عن هويتها: «سيكون هناك عائد على بريكست يتمثل في الوحدة بين الأعضاء الـ27». ورغم ميل هذه المسؤولة للتفاؤل، فإن آخرين، مثل «بيير فيمونت» (النائب السابق لرئيس السلك الدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي)، هم أكثر تشككاً. يقول فيمونت: «لقد كان ُينظر إلى بريكست باعتباره تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي»، أكثر بكثير من الاختلافات الروتينية في الرأي، والتي غالباً من يتصارع معها الاتحاد. لقد كان بريكست الصدمة التي أقنعت الدول الأعضاء بالحاجة إلى توحيد جهودهم هذه المرة؟ وقالت «أجاتا جوستينسكا ياكوبفوسكا»، الباحثة بمركز الإصلاح الأوروبي ومقره لندن: «لا يمكن مقارنة مفاوضات بريكست بمحادثات بشأن أي سياسة أخرى للاتحاد الأوروبي. إنها تدور حول أمر أكثر جوهرية. إن الديناميكية مختلفة».
بادئ ذي بدء، تعتبر المفاوضات السياسية للاتحاد الأوروبي أجندة مائدة مستديرة تدافع فيها كل دولة عضو عن مصالحها. ويتم تشكيل تحالفات وموازنة القوى والتوصل إلى حلول وسط يمكن أن يقبلها الجميع.
أما بريكست فلم يكن كذلك؛ ففي محادثاتها حرضت المملكة المتحدة ضد دول الاتحاد الأوروبي الـ27. وكانت هذه الدول كانت متفقة منذ البداية على ثلاثة قضايا كانت على المحك في اتفاقية «الطلاق» التي تحكم انسحاب لندن.
المسألة الأولى تتعلق بالمال. في المفاوضات العادية حول موازنة الاتحاد الأوروبي، يكون الأعضاء المساهمون لديهم مصالح مختلفة عن الأعضاء المستفيدين، وهم الدول الأعضاء الأفقر. في محادثات بريكست، كان الجميع على نفس الجانب وبنفس المصالح: ضمان أن تسدد المملكة المتحدة كل ما كانت تدين به. وفيما يتعلق بالمسألة الثانية، ضمان حقوق مواطنيهم الذين يعيشون في المملكة المتحدة، إذ كل الحكومات الـ27 حريصة على أن ينظر إليها جمهورها على أنها تدعم بقوة مواطنيها في الخارج.
وفيما يتعلق بالمسألة الحساسة المتمثلة في الحدود الأيرلندية، لا أحد يرغب في المجازفة بالعودة إلى النزاع المدني في إيرلندا الشمالية الذي يمكن أن ينطوي عليه إعادة الإجراءات الحدودية «القاسية». حتى عندما أصبحت مسألة الحدود نقطة شائكة، لم يضغط أي من شركاء إيرلندا من دول الاتحاد الأوروبي على دبلن لتقديم تنازلات.
وتوضح المسؤولة الدبلوماسية الأوروبية أن ذلك لأن «القضية كانت طريقة مثالية لإثبات» للمتشككين في الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء القارة، والذين يتساءلون ما إذا كانت عضوية الاتحاد لها أي فوائد، «إن هذا التضامن يمكن أن يكون له قوة وتأثير».
ومن ناحية أخرى، فإن الطريقة التي خاض بها أعضاء الاتحاد الأوروبي المفاوضات عززت وحدتهم. فقد وضع المجلس الأوروبي، المؤلف من الحكومات الأعضاء، أولويات التفاوض. وتولت المفوضية الأوروبية مسؤولية المحادثات وعينت مفاوضاً هو «مايكل بارنييه»، الذي أبقى العواصم الوطنية والبرلمان الأوروبي على اطلاع وثيق بالتقدم الذي أحرزه. وعملت المؤسسات الثلاث عن كثب بشكل غير عادي من خلال مجموعات العمل الخاصة بكل منها.
وعلى الجانب الآخر، في لندن، تردد المسؤولون بشأن أهدافهم وأساليبهم، ما أدهش الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي الذين توقعوا منهم أن يكونوا مفاوضين بارعين. يقول «جوناثان فول»، وهو بريطاني ومتحدث سابق باسم المفوضية الأوروبية: «لقد سهّلت المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي أن يحافظ على وحدته من خلال إيجاد صعوبة بالغة في التمسك بموقف خاص بها. وكان بإمكان المملكة المتحدة أن تقاوم، لكنها استسلمت».
وسنرى إن كان سيكون من السهل الحفاظ على هذه الوحدة في المرحلة المقبلة من المفاوضات بشأن علاقة بريطانيا التجارية بالاتحاد الأوروبي.


*صحفي أميركي مقيم في باريس
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»