من المهم أحياناً أن تكتب مقالاً حول شيء أنت واثق أنه لن يحدث. وفي هذه الحالة فهو حرب مع إيران، والتي يتضح أن الرئيس ترامب لا يريدها، وسيسعى لتجنبها على الأرجح. لكن لما كانت السياسة الخارجية لترامب تزيد من احتمال الحرب، فمن المناسب القول إنها ستكون فكرة سيئة جداً أن تدخل الولايات المتحدة في نزاع مسلح خطير آخر في الشرق الأوسط.
في السابق كنتُ قد حاججت بأن ثمة نوعاً من الانسجام في سياسة ترامب الخارجية، حتى وإن كانت مجرد توليف عرضي لتوجهات متنافرة في بيت أبيض تطبعه الفوضى. ووفق تلك التوليفة، فإن الرؤساء الأميركيين الحديثين كانوا متفائلين بشكل مبالغ فيه بخصوص التحول الديمقراطي، حيث تبنوا آمالاً طوباوية حيال العالم الإسلامي على نحو ساذج وسعوا لاحتواء صعود الصين بسذاجة. وبالتالي فالمطلوب هو إعادة تخندق في الشرق الأوسط الكبير، وتخل عن جهود بناء الدول، وعودة إلى السياسة الواقعية القائمة على قاعدة «اقتل عدوك» و«ادعم صديقك»، التي ستسهل بدورها على الولايات المتحدة الاستدارة إلى مقاربة صدامية أكثر مع بكين.
عملياً، إعادة التخندق هذه تشمل الانسحاب (أو محاولة الانسحاب) من الالتزام العسكري تجاه أفغانستان، والذي يعود إلى عهد بوش الابن والتخلي عن جهود عهد أوباما الرامية إلى التودد لإيران ومحاولة دفعها نحو الانفتاح. فالخط الترامبي المتشدد حيال طهران، والذي ينهل من السياسة الواقعية، يعكس إيماناً بأن عداء الملالي حقيقةٌ ثابتةٌ، وأن الاتفاقات معهم في مجال معين تسهم في تمكينهم من اعتداء في مجال آخر، وأنه من الأفضل دعم حلفائنا بدلاً من السعي وراء إعادة اصطفافٍ احتمالات نجاحه ضئيلة.
وشخصياً، أعتقد أن ترامب يميل إلى الافتراض بأن نجاحاً دبلوماسياً في الانتظار، إذ يتخيل أن كل هذا الضغط هو عبارة عن تمهيد لاتفاق دراماتيكي، في حين يميل جون بولتون ومايك بومبيو إلى الافتراض بأن الضغط سيفضي إلى تغيير النظام والدمقرطة، متخيلين انهيار النظام الإيراني فجأة كما انهار نظام الاتحاد السوفييتي عام 1991.
لكن أياً يكن الافتراض الأساسي، فإن مقاربة الحد الأقصى تزيد على نحو حتمي من احتمال الحرب. ذلك أنه إذا كان البيت الأبيض مخطئاً بشأن استعداد النظام الإيراني لتقديم تنازلات أكثر، فإن النتيجة ستكون إما التحمل والصمود أو رد فعل مسلح. وإذا كان على حق في أن تغيير النظام إمكانية، فإن احتمال أن قيام النظام الذي يحاولون تغييره بالهجوم يزداد أكثر كلما اقترب من نقطة الانكسار.
وفي كل الأحوال، ليس ثمة في الوضع الحالي للشرق الأوسط، أو الوضع العالمي، ما يجعل من احتمال حرب مع إيران جديراً بالمجازفة، مثلما يقر بذلك الصقورُ والحمائمُ على حد سواء.
ومثلاً فإن ديفيد فرانش من مجلة «ناشيونال ريفيو»، والذي يُعد أكثر صقورية مني، يصف حرباً ممكنة مع إيران باعتبارها أسوأ ربما من أي من حروبنا منذ 11 سبتمبر، وبأنها فكرة سيئة. ومن جانبه، كتب ديفيد فروم، الذي كان أحد مؤيدي حرب العراق، يقول إن حرباً مع إيران ستعيد الأخطاء التي ارتكبناها في العراق.
ليس ثمة جواب مؤيد للحرب بشكل صريح على هذه النقاط، بل هناك فقط الحجة نصف الصقورية التي يقدمها «إيلي ليك» من خدمة «بلومبيرج» الإخبارية، والذي كتب يقول أن لا أحد يريد الحرب بالطبع، وإن سلسلة الخطوات الأميركية الأخيرة تتعلق جميعها بتحقيق الردع. و«ليك» نفسه يعترف بأن «هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر» وأنه «مع ازدياد التوتر، يزداد خطر إساءة التقدير».
شخصياً، أعتقدُ أن الولايات المتحدة يمكنها أن تعامل إيران كعدو بدون الذهاب إلى التصعيد وسياسة حافة الهاوية، وتستطيع ترك الاتفاق النووي بدون اتخاذ خطوات تزيد من احتمالات اندلاع حرب تقليدية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/05/17/opinion/dont-fight-iran.html