تبدو تغريدات الرئيس الأميركي ترامب مثيرة للجدل، فحين نقرأ تغريدته عن وجود رقم هاتفه في سويسرا ودعوته لإيران أن تتصل به للتفاوض، نظن أن الرئيس يبحث عن حل وسط لتجنب الحرب، وحين نسمع أن الرئيس الأميركي بلغ القائم بأعمال وزير الدفاع باتريك شاناهان بأنه لا يريد خوض حرب مع إيران، ونسمع أنه صرح للصحفيين بأنه يأمل ألا تكون الولايات المتحدة في طريقها إلى حرب مع إيران، نتوقع أنه يهدئ التصعيد، ويمنح إيران فرص التفكير بخطر وقوع الحرب، لكن مطالب ترامب من إيران «صعبة التحقيق» بالنسبة لطهران، لأنها إن حققت هذه المطالب ستكون مضطرة إلى أن تصبح دولة عادية تهتم بشعبها فقط، وتنكفئ إلى حدودها، وتوقف مشروعها الإمبراطوري الفارسي الحالم بالسيطرة على الشرق الأوسط والمتحكم الأوحد بالعالم العربي وبالبحار المحيطة من بحر الخليج العربي، إلى البحر الأحمر إلى المتوسط، وقد أغرتها الحماقة إلى التهديد بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط وهو ما صرح به قائد البحرية التابعة للحرس الثوري، الجنرال علي تنكسيري، بل إنها تهدد بإغلاق مضيق باب المندب عبر «الحوثيين»، وبهذا الجنون العسكرتاري تبدو إيران وهي تتحدى العالم كله، وهو أمر ضاق به الشعب الإيراني الذي يدفع ثمن جنون وأوهام القادة العسكريين الإيرانيين الذين ما يزالون يعتقدون أن الغرب الذي دعم وصول الملالي إلى سدة الحكم في إيران، ومنع الثورة الإيرانية عام 1979 من التوجه إلى حكومة دستورية أو جمهورية مدنية، وسمح للخميني أن يقيم ما سماها (حكومة الله)، لا يزال يدعم هذا التوجه الذي يسهم في إذكاء صراعات مذهبية بين السنة والشيعة تحل محل الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما تم تنفيذه منذ الحرب الإيرانية العراقية.
لقد تبدلت الظروف وانتهت الذرائع، ولابد من الاعتراف بأن في المنطقة مشروعين رئيسين، هما المشروع الصهيوني والمشروع الإيراني، وللأسف لا يوجد المشروع العربي فقد تحولت أزاهيره إلى رماد، وبات الصراع بين مشروع إسرائيل للسيطرة على الشرق الأوسط (بتفويض عقائدي) في مواجهة مباشرة مع مشروع فارسي بصباغ ديني وإيديولوجيا تدفع إيران لتصدير ثورتها إلى العراق ثم لبنان وسوريا واليمن، وهي تتطلع عبر عدائها للمملكة العربية السعودية ودول الخليج إلى الخطوة الثانية، والمسؤولون الإيرانيون لا يخفون هذا الطموح، بل إنهم يتباهون بسيطرتهم على أربع عواصم عربية وعلى ممرات البحار المحيطة، وتختلط الدوافع الدينية مع الدوافع القومية في الذهنية الفارسية المذهبية، بشكل يماهي ويماثل الذهنية الإسرائيلية المؤسسة أيضاً على طموح التمدد والسيطرة.
إيران تقوم بإشعال حرائق أكبر في المنطقة، وبات خطر إسرائيل على العرب أهون الشرين بالقياس لما ارتكبته طهران في كل من العراق وسوريا واليمن من مجازر ومذابح وإبادة جماعية، وفي القمع والسيطرة والتعطيل المستمر لأي حراك وطني مستقل في لبنان.
أوباما قدم لإيران فرصاً سياسية ومالية ضخمة عبر الاتفاق النووي، وكانت الولايات المتحدة هي التي سلمت العراق لإيران قبله، وأوباما هو الذي سمح لإيران أن تدخل «حزب الله» إلى سوريا ثم سمح لجيوش إيران بالتدخل، ويقال إنه طلب من روسيا التدخل لحماية النظام السوري، وهذه كانت مطالب إسرائيلية، لكن الظرف تغير بعد انتهاء المهمة وآن الوقت لضبط المشروع الإيراني.
لقد بدأت إسرائيل تطالب بابتعاد القوى الإيرانية في سوريا عن حدودها 40 ثم 80 كم، ثم بدأت بالهجوم الجوي عليها وبقصف متصل لمنشآتها العسكرية في سوريا، وأخيراً وصل الأمر إلى أن يطالب ترامب إيران (بين مطالبه الأثني عشرة مطلباً) بأن تسحب كل قواتها من سوريا بما فيها «حزب الله».
إيران تنظر للعرب على أنهم المهَدَدُ الأول لها، وهذا ما سيجعل القمة القادمة في مكة المكرمة فاصلة وحاسمة في خيارات المواجهة ومصير الأمة، ولا أحد من العرب يريد الحرب، حيث سيبقى شعارنا (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ولانريد أن نجهل مثل جهل الجاهلين، لكننا ملتزمون بقول الله سبحانه (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).