على الرغم من أن اندلاع صراع عسكري محتمل مع إيران لا يزال أخطر التحديات التي تواجه إدارة ترامب في الشرق الأوسط، فإن بعض التحديات الأخرى تُخيّم في الأفق. فمصير الأقلية الكردية في سوريا، والتي تقطن شمال شرق البلاد، هو في الوقت الراهن موضوع نزاع خطير بين الولايات المتحدة وحليفتيها فرنسا والمملكة المتحدة وحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكان الأكراد السوريون عنصراً محوريّاً في القوة القتالية التي هزمت تنظيم «داعش» في سوريا ودمّرت «خلافته» المزعومة.
وتعتبر تركيا الأكرادَ إرهابيين يهددون استقرار أراضيها، التي يوجد بها عدد كبير من السكان الأكراد الغاضبين والمقموعين. وقد كرر أردوغان تهديداته بغزو الشمال السوري ومهاجمة الأكراد هناك. من جانبها عارضت الولايات المتحدة تلك التهديدات بقوة، ما جعلها واحدة من أكبر المشكلات بين الشريكين في حلف «الناتو».
ويثير ذلك تساؤلات بشأن السياسات الأميركية المستقبلية تجاه سوريا، وعدم رغبة واشنطن في التعامل بصورة مباشرة مع نظام بشار الأسد فيما يتعلق بالجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في سوريا المدمّرة. ومن دون تمويلات ضخمة لعمليات إعادة الإعمار الاقتصادية، سيواصل الشعب السوري معاناته، وسيظل هدفاً لعمليات التجنيد الإرهابي. وعلى الرغم من ذلك، ليس ثمة طريقة لتضع الولايات المتحدة ودول الخليج وأوروبا مبالغ مالية ضخمة طالما ظل الأسد في السلطة.
أما روسيا، التي تعتبر بوضوح أكثر حلفاء الأسد تأثيراً، فلا تمتلك أصولاً كافية لتوفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار. وهكذا هي الحال مع صديقة سوريا الأخرى إيران، التي تعاني من صعوبات اقتصادية هائلة بسبب العقوبات الأميركية. وإذا ما تدهورت الأوضاع في سوريا، فقد تجد كل من روسيا وإيران نفسيهما في مأزق صعب، فلن يرغب أي منهما في التخلي عن حليفهما الأسد، كما لن ترغبا في دفع ثمن الإبقاء عليه في السلطة إلى الأبد.
ومن التحديات الأخرى، التي تخيم على خلفية جلّ المشكلات المستعصية في سوريا، خطة السلام الأميركية من أجل حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، والتي طال انتظارها. وقد أجلت إدارة ترامب مراراً وتكراراً طرح هذه الخطة، لكن تم تسريب بعض من أفكارها على خلفية التنازلات أحادية الجانب من قبل ترامب لمصلحة إسرائيل بشأن القدس وتأييد ضمها لمرتفعات الجولان السورية. وقد أشار ترامب وصهره «جاريد كوشنر» إلى أن مفتاح حل الصراع هو أن تقدم الدول العربية أموالاً للفلسطينيين كجزء أساسي من الاتفاق، وأن الحافز الرئيسي للفلسطينيين كي يوافقوا على الاتفاق الجديد يرتكز على وعد بالنمو والازدهار الاقتصاديين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. ولم تكن هناك أية تلميحات حول تبادل الأراضي ولا مكان عاصمة فلسطين. وتم تداول إشاعات بأنه سيُطلب تمديد سيادة قطاع غزة على بضعة أميال لتوسيع مساحته البرية الصغيرة الحالية، ولتتضمن بعض الشواطئ في البحر المتوسط. لكن لم تصدر أية تصريحات رسمية بشأن ذلك الطرح لا من أميركا ولا من غيرها.
والأكثر أهمية، أنه لا أحد يعرف أي شيء عن ما ستقوله الخطة بشأن السيادة والحدود من أجل التسوية النهائية. وهل سيتضمن المقترح عبارات مثل «حل الدولتين»، أم سيتم إغفالها في ضوء عدم رغبة إسرائيل في تصور مثل هذا الترتيب طالما ظلت حركة «حماس» تسيطر على القطاع. ومن الصعب تصور أي كيان فلسطيني يوافق على صفقة اقتصادية بصورة مبدئية من دون الحصول على ضمانات بأن الفلسطينيين سيتمكنون من السيطرة سيطرة كاملة على دولتهم المستقلة.
وقد كانت هناك عشرات المقترحات خلال السنوات الماضية تضع حدوداً لـ«حل الدولتين»، مع شروط أمنية واضحة ضمن الخطة، لكن من المستبعد أن يكون هذا هو النموذج المطروح من قبل ترامب.
وأفضل ما يمكن أن يأمل فيه الرئيس الأميركي هو ألا يرفض أي من الجانبين هذا المقترح عند طرحه، وأن يكون كلا الطرفين مستعدين على الأقل للحديث بشأنه. وفي هذا الصدد، ستكون إسرائيل، المدينة بالكثير لترامب مقابل ما قام به لمصلحتها بالفعل، مترددةً في تقديم الرفض، متوقعة وواثقة تماماً بأن الفلسطينيين هم على الأرجح من سيرفضون المقترح.
ويعني ذلك بالتأكيد مزيداً من العنف وأزمة أخرى أمام الإدارة الأميركية، التي تواجه بالفعل صعوبات شديدة خارج الشرق الأوسط، لاسيما في ملفات مثل الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا وأوكرانيا، علاوة على ملف التدخل الروسي في العملية السياسية الأميركية.