اقتحم مفهوم «المبدأ الإنساني» علوم الطبيعة والفلك، ليمس علاقة الإنسان بالكون، وحين تناولته الفلسفة تحدثت عن القواسم المشتركة بين البشر، وكيف يجب على كل واحد أن ينظر إلى الآخر، مهما اختلف معه في الدين أو العرق أو الطبقة أو اللغة، على أنه إنسان مثله، يشعر بالأحاسيس والمشاعر نفسها، ويواجه مشكلات وهموم وغموم وظروف مماثلة أو حتى مختلفة، ولديه اعتبارات ومعانٍ نابعة من ذاته أو ثقافته واجبة الاحترام، حتى وصلنا إلى الحديث عن الطابع الإنساني للمدن الحديثة، بوصفها قادرة على استيعاب ألوان شتى من البشر، مختلفي الديانات والأعراق والطبقات والثقافات.
وهناك قيادات يقتصر اهتمامها وصيتها على المجتمع المحلي الذي تحيا فيه، وهناك من تتجاوز في رؤيتها وانشغالها وفي حركتها وتصرفاتها بيئتها المحلية، أو مجتمعاتها الخاصة، حتى لو كانت دولة بأكملها، لتقول وتفعل ما يؤكد ارتقائها للعب دور إنساني خارج هذه المجتمعات، وقد يمتد إلى البشرية جمعاء.
من بين هذه القيادات العالمية البارزة يأتي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث تحتفل دولة الإمارات بذكرى «يوم زايد للعمل الإنساني» التي تصادف يوم التاسع عشر من رمضان من كل عام، الموافق لذكرى رحيله..والذي تأسست رؤيته في هذا المضمار على أربعة مبادئ، أساسية، يمكن ذكرها على النحو التالي:
أولاً: دعم جهود السلم والأمن والاستقرار والتنمية في العالم يمثل أحد الأهداف الرئيسية لدولة الإمارات، من منطلق إيمانها بأن تحقيق السلام والأمن هما المدخل الأساسي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لجميع شعوب العالم.
ثانياً: إذا كانت نزعات التشدد والتطرف التي يشهدها العالم ترجع في جانب منها إلى غياب ثقافة التعايش والحوار وقبول الآخر، فإن هناك حاجة ماسة إلى تعزيز التعاون بين الدول كافة والمنظمات الإقليمية والدولية والأممية من أجل صياغة استراتيجيات تعزز من قيم الحوار البناء بين الثقافات واحترام المعتقدات والأديان ونشر ثقافة السلام، بهدف التصدي لمحاولات تشويه الأديان والتحريض على الكراهية الدينية.
ثالثاً: فتح الشيخ زايد أبواب دولة الإمارات أمام الناس من مختلف أنحاء العالم، طالما كانوا قادرين على العطاء والإسهام في التنمية والبناء، وبمرور الوقت صار يعيش على أرضها في تفاهم منتمين إلى أكثر من مائتي جنسية، رغم اختلافاتهم في الثقافة والدين والعرق واللغة.
رابعاً: كان الشيخ زايد سباقاً في طرح مبادرات ومشاريع إنسانية لتقديم المساعدة للمحتاجين إليها في المناطق الفقيرة، أو التي تشهد نزاعات مسلحة أو تتعرض إلى كوارث طبيعية، بما يساعد على تنمية هذه المناطق وتخليصها من أزماتها ومشكلاتها، من منطلق إدراكها أن هذه النوعية من الأزمات تمثل أحد أهم المصادر التي تهدد الاستقرار العالمي. وكان الشيخ زايد يعتبر أن مال النفط فيه حق معلوم، من منطلق ديني وأخلاقي وسياسي، للناس جميعاً، وليس فقط لأصحاب الأرض التي ظهر فيها.
خامساً: كان الشيخ زايد يؤمن بمبدأ «خدمة الناس» وأنها من أرقى الأعمال، ومن المهام الأساسية لمن يتولى أمورهم، وفي هذا يقول: «إن الشخص الذي يرعى مصالح العامة وخدمة المجموع، سوف يجد مني ومن الحكومة كل تشجيع ومساندة، لأن مثل هذا الشخص جند نفسه بنفسه واعتنى بمصالح الآخرين. ومن هنا فإنه يستحق كل التقدير والاحترام والوقار، لأنه يصبح بالنسبة لإخوانه وأهله كالملاذ تماماً كما يلجأ ربان السفينة إلى الميناء ليتقي شر الطوفان أو العاصفة».
لكل هذا حصل الشيخ زايد على جوائز عالمية مشهودة، فقد منحته المنظمة الدولية للأجانب في جنيف «الوثيقة الذهبية» باعتباره أهم شخصية للعام 1985 لدوره البارز في مساعدة المغتربين على أرض بلاده وخارجها. وحصل على الشهادة الذهبية من الصندوق العالمي للبيئة «باندا». ومنحته هيئة رجل العام الفرنسية في عام 1998 لقب أبرز شخصية عالمية، لجهوده في مكافحة التصحر والتنمية. واختاره برنامج الأمم المتحدة للبيئة «يونيب» في 2005 واحداً ضمن سبع شخصيات عالمية بوصفهم أبطالاً للأرض. كما اختارته مجلة «نيوزويك» الأميركية في سبتمبر 2009 ضمن قائمة ضمت 10 من زعماء العالم، من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، قالت إنهم أسهموا في «إعادة صنع» بلدانهم.