على خلفية تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، تخضع علاقات نيودلهي مع طهران لاختبار صعب. وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف توجه إلى نيودلهي هذا الأسبوع في زيارة مفاجئة في إطار جهود التواصل مع الهند وبعض البلدان الأخرى على خلفية التطورات الأخيرة في غرب آسيا. كما زار روسيا والصين وتركمانستان والعراق على خلفية هذه التوترات المتصاعدة. وفي لقائه مع وزيرة الخارجية الهندي سوشما سواراج، أطلع الجانبَ الهندي على الوضع مع العقوبات الأميركية على إيران والأزمة الراهنة في غرب آسيا.
وفي أعقاب انسحابها من الاتفاق النووي، فرضت الولايات المتحدة عدة عقوبات على النظام الإيراني، ولا سيما على صادرات النفط. كما سحبت واشنطن إعفاءات من العقوبات كانت قد منحتها لعدد من البلدان في نوفمبر الماضي. وكانت الهند من بين ثمانية بلدان منحتها الولايات المتحدة إعفاءات لفترة ستة أشهر بسبب اعتمادها على النفط الإيراني.
وإذا كان وزير الخارجية الإيراني قد وصف محادثاته مع الهند ب«الممتازة»، فإنه اتهم الرئيسَ ترامب بـ«تصعيد الوضع في المنطقة». ولكن نيودلهي لم تَعد إيران بأي شيء بخصوص ما إن كانت الهند ستواصل استيراد النفط من إيران. والواقع أن وزيرة الخارجية الهندية بلّغت الوزير الإيراني الزائر بأن الهند ستتخذ قرارا بشأن ورادات النفط الإيرانية بعد انتهاء الانتخابات التي تشهدها البلاد. والتي فاز فيها رئيس الوزراء ناريندرا مودي بفترة جديدة على رأس الحكومة الهندية. غير أن مشكلة النفط الإيراني ستكون واحدة من التحديات الرئيسية بالنسبة للحكومة الجديدة، التي ستتشكل بعد الانتخابات. وستمثل إيران تحدي السياسة الخارجية الرئيسي بالنسبة لهذه الحكومة لجهة كيفية تحقيق توازن في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.
ولدى الهند علاقات وثيقة مع كلا البلدين، وهذه العلاقات تزداد قوة مع واشنطن في عهد إدارة ترامب مع مر السنوات. وتستورد الهند 10 في المئة من النفط الذي تحتاجه من إيران. ولكن بالنظر إلى مشاكل طهران مع واشنطن، عمدت الهند إلى تقليص وارداتها النفطية من ذاك البلد. وفي الوقت الراهن، تمتلك الهند مخزونا لسبعة أشهر على الأقل. ولكن الحكومة الجديدة لن يكون لديها خيار آخر غير اتخاذ قرار سياسي بشأن إنهاء الواردات النفطية بشكل كلي من إيران. ومع أن المسؤولين الهنود يقولون إنهم سيتخذون موقفاً مدروساً ومتزناً بناء على مصالح البلاد الأمنية والاستراتيجية، إلا أن الواضح أن مستوردي النفط الهنود سيجدون أنه من الصعب للغاية القيام بالتجارة بسبب العقوبات. وقد توقفت كل الشركات النفطية تقريبا عن تقديم طلبيات لشراء النفط الإيراني، وسيكون من الصعب على نيودلهي أن تواصل الاتجار في وقت تبدو فيه واشنطن حريصة على عزل إيران.
ومما لا شك فيه أن الهند، التي تُعد حتى الآن ثاني أكبر مشتر للنفط من إيران بعد الصين، ستواجه تحديات في استبدال النفط. ذلك أن الهند كانت تستورد النفط من إيران لأن سعره مناسب ولأن شروط الدفع جيدة. ولكن اليوم، ومع إحجام كل الشركات النفطية تقريباً عن تقديم طلبيات جديدة، سيتعين على الهند أن تدفع سعراً أعلى بسبب استبدال النفط الإيراني.
نيودلهي تظل قلقة على خلفية ميناء جابهار الذي طورته أول مرة في التسعينيات. ولكن العقوبات الغربية جعلت من الصعب التقدم في المشروع. غير أنه عندما كانت الولايات المتحدة تتفاوض مع إيران حول المشروع، عاد بعض الزخم إلى هذا الأخير بعد أن منحت الولايات المتحدة استثناء بخصوص جابهار. ولكن ذلك يمكن أن يتغير أيضاً إذا قررت واشنطن اتخاذ تدابير أكثر لعزل إيران.
وتستثمر الهند ما يصل إلى 500 مليون دولار لتطوير الميناء الذي سيسهّل العلاقات التجارية مع بلدان آسيا الوسطى وروسيا. ومن أصل هذا المبلغ استثمرت 200 مليون دولار لتطوير محطتين وخمسة أماكن مخصصة لرسو السفن في الميناء، بينما يذهب ما تبقى من الـ300 مليون دولار إلى الميناء وتطوير البنية التحتية المرتبطة به. غير أنه بالنظر إلى الاتجاه الذي تتدهور فيه العلاقات، يبدو أن مشروع جابهار أيضاً بات محفوفاً بالخطر بالنظر إلى تصاعد التوترات في غرب آسيا.
وبعد الهجمات التي استهدفت السفن، نشرت الولايات المتحدة سفناً حربية ومقاتلات في الخليج العربي وسحبت موظفيها الدبلوماسيين غير الضروريين في الأيام الأخيرة. وهي رسالة واضحة مفادها أنه لن يتم التسامح مع أي محاولة تهديد أمن بلدان الخليج العربي من قبل القوى التي تقف وراء الهجوم الإجرامي وداعميها في المنطقة.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي