اللغة والدين ووسائط نقل الأفكار من صحف وكتب وفضائيات ومواقع إلكترونية وبرامج تواصل اجتماعي، ثلاثة عوامل تجعل أكثر من ثلاثمائة مليون عربي يؤثرون في بعضهم بعضاً. وبدرجة تأثير أقل، ثمة مليار وسبعمائة مليون مسلم يؤثرون في بعضهم بعضاً كذلك.
ولا حاجة للتدليل على خطورة وسذاجة بعض الأفكار ذات المرجع الديني المنتشرة في أوساط العرب والمسلمين، فمن بين أظهرهم خرجت المئات من الخلايا والحركات والجماعات والشبكات والمنظمات الإرهابية أو المتطرفة أو المعادية لأوطانها.
وفضلاً عمّن قرنوا أفكارهم البائسة بالعمل الأخرق والإجرامي، ثمة جموع تعتنق أفكار الجهاد والسبي، وإقامة الخلافة وإزالة الحدود، ومعاداة العالم وإخضاع البشرية.. لكن ينتهي دورها عند التعاطف والتبرير، إذ الجماعات الإرهابية أو المتطرفة لا توجد من دون حواضن شعبية تتغذى منها، وتنتمي إليها، وتعتقد أنها تعمل من أجلها.
وسنجد أن الكثير من تلك الجماعات ذات بُعد أممي، وما الكنى التي يحملها «الدواعش» إلا دليلاً على ذلك، فهذا أبوبكر البغدادي، وهذا أبو جندل المصري، وهذا أبو علي الشيشاني، وهذا أبو البراء الأزدي.. فضلاً عن تنظيم «الإخوان» الذي له فروع في كثير من دول العالم.
وهذا يعني أنه لا يكفي أن تحول أي دولة عربية أو إسلامية دون تسرّب الأفكار الخطرة والساذجة إلى مناهجها التعليمية، وخطب مساجدها، وإعلامها، فالكلّ يؤثر في الكلّ، والكلّ يتأثر بالكلّ، ولا سبيل إلى إيقاف تدفق مثل تلك الأفكار من بيئة إلى أخرى تشترك معها في اللغة والدين.
فمقابل منهج دراسي ينبذ التعصب، هناك آلاف مقاطع الفيديو التي تدعو إليه. ومقابل خطب تحث على التسامح، هناك مئات المواقع الإلكترونية التي تقول عكس ذلك. ومقابل برامج تقرّب بين الشعوب والثقافات، هناك برامج تعرض على قنوات أخرى تباعد بينها.
وتكون مهمة مجابهة الأفكار الخطرة والساذجة أكثر صعوبة حين تتبناها دول وتعمل على انتشارها بشكل محموم، كما تفعل إيران وتركيا وقطر. فثمة دول تزرع ودول تقلع الزرع، وثمة دول لا تفعل أي شيء، وتعتقد أنه يمكنها أن تكون بمأمن من الأفكار الخطرة والساذجة طويلاً. فماذا تفعل لتجنّب شعبك الكراهية والتشدد والغلو والتطرف والانقسام الديني والطائفي؟ وهل يجدي الانكفاء والتحصّن والحال أنك لست المؤثر الوحيد داخل بيتك؟ وماذا تفعل في السفينة التي تبحر بها وثمة مِن الركاب مَن يخرقها؟
هذا ما أعتقد أن دولة الإمارات، ودولاً أخرى قليلة، فكّرت به حين قررت أن تأخذ على عاتقها مهمة منع خرق السفينة، التي هي قدر مقدور علينا، حيث لا يمكن أن نستقلّ بقارب خاص بنا ونترك السفينة تواجه مصيرها، فالسفينة واحدة بسبب عوامل اللغة والدين ووفرة وسائل نقل الأفكار.
الإمارات قررت أخذ زمام المبادرة وإبراز الوجه الحضاري للإسلام والدعوة إلى الأخوّة الإنسانية والتأثير بأفكارها لإحداث تغيير في محيطها العربي والإسلامي من حيث بعض القيم والأفكار الرائجة فيه، والتي إن تُركت من دون مواجهة، ومن دون طرح بديل عنها، غرقت السفينة بالجميع.