يُنظر إلى المستشار النمساوي المقال «سيبستيان كورتز» على نطاق واسع باعتباره الفتى الذهبي لأوروبا. ويُعد كورتز (33 عاماً)، والذي يبدو كأنه منقذ مؤسسة اليمين الوسط في أوروبا، وجهاً جديداً في القارة التي سئمت من المركزية الصارمة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والجسر المعقول بين الغرب الليبرالي ومزيد من الحكومات القومية في أوروبا الوسطى والشرقية.
تولى كورتز منصبه في نهاية عام 2017 من خلال تحالف بين حزب الشعب النمساوي (يمين –وسط) وحزب الحرية اليميني المتطرف. وبدلاً من أن يسلك طريق ميركل، ويشكّل تحالفاً كبيراً مع الاشتراكيين الديمقراطيين (يسار وسط)، اختار حليفاً أكثر قرباً من الناحية الأيديولوجية. كان اتفاقاً صدم المتفرجين الليبراليين في أوروبا، وقدم أحدث مؤشر على مدى تورط السياسة اليمينية المتطرفة في التيار السائد في الغرب. وأشاد «ريتشارد جرينيل»، مبعوث الرئيس ترامب الصريح في ألمانيا، بكورتز باعتباره «نجم موسيقى الروك».
لكن في يوم السبت قبل الماضي، انتهت شراكة كورتز مع حزب الحرية –وهو فصيل أسسه النازيون الجدد– وزعيمه «هاينز كريستيان ستراش»، بشكل درامي بعد أن أظهرت مقاطع فيديو مسربة ستراش وهو يعد بمنح عقود حكومية مقابل تبرعات من امرأة يبدو أنها سليلة عائلة ثرية من الأوليجاركية الروسية. وأعلن ستراش استقالته كنائب لمستشار البلاد وكذلك كزعيم للحزب.
«وتظهر أشرطة الفيديو، المسجلة سراً في فيلا بجزيرة إبيثا في البحر المتوسط عام 2017 قبل الانتخابات النمساوية، ستراش وهو يقول للسيدة إنه يستطيع ترتيب عقود حكومية مربحة إذا استطاعت الحصول على حصص مسيطرة في أكبر صحف النمسا، وهي «كرونين تسايتونج»، ودعم حزب الحرية المناهض للهجرة. لكن يبدو أن الاجتماع كان بمثابة لدغة سياسية. فالسيدة لم تكن ابنة أخ رجل أعمال روسي بارز، كما زعمت. وقد نشرت المواقع مقاطع الفيديو يوم الجمعة، لكنها لم تذكر كيف حصلت عليها أو كيف تم تصوير الفيديو.
وستستمر المكائد بشأن مصدر مقاطع الفيديو وكيف وصلت على وسائل الإعلام الألمانية. وفي بيان، أصر ستراش على أنه لم يرتكب أي جريمة وأنه كان ضحية «اغتيال سياسي». وقال: إن الحادث نفسه كان «غبياً وغير مسؤول وخطأ». لكن بالنسبة لكورتز، كان القشة الأخيرة، حيث قال: «لقد أضر حزب الحرية بصورة البلاد». وذكر في وقت لاحق لصحيفة «بيلد» الألمانية أن التحقيقات ستحدد ما إذا كان ستراش يواجه مسؤولية جنائية.
ليس من المستغرب أن يشترك كورتز وستراش في تحالف هش. قبل فضيحة الفيديو، شهد حزب ستراش مجموعة من الخلافات. ففي الشهر الماضي، اضطر كورتز للتنديد بـ«قصيدة عنصرية فظيعة» كتبها مسؤول في حزب الحرية شبهت المهاجرين بـ«الفئران» وأشارت إلى أن الثقافات تدمر نفسها عندما تختلط.
ومن ناحية أخرى، أدت سيطرة حزب الحرية على حقيبة وزارة الداخلية النمساوية إلى مخاوف من استغلال اليمينيين المتطرفين لجهاز الأمن في البلاد، وقد أمرت الوزارة بمداهمة كبار عملاء المخابرات النمساوية، وهي الإجراءات التي كان ينظر إليها كمحاولات لحماية الحزب واتصالاته المتطرفة، والتي كان لها تأثير مخيف على أجهزة الأمن في البلاد. وتعني علاقات الحزب الوثيقة بالكرملين أن الشركاء الأميركيين والأوروبيين قد بدؤوا في استبعاد فيينا من تبادل بعض المعلومات الاستخباراتية. وعزز استعداد ستراش لبيع نفسه للروس من المخاوف التي يحملها الكثيرون بشأن صعود البلاد إلى اليمين المتطرف. وقال الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين للصحفيين: «إن الصور تظهر صورة مزعجة. صورة لا تمثلنا ولا تمثل بلادنا». ودعا الرئيس إلى إجراء انتخابات جديدة لإعادة بناء ثقة النمساويين في حكومتهم. ومن المتوقع أن يتم إجراء هذه الانتخابات في شهر سبتمبر.
إن النمسا دولة صغيرة، يبلغ عدد سكانها حوالي 9 ملايين نسمة، لكن الاضطرابات السياسية التي تشهدها حالياً تعلم دروساً أوسع نطاقاً. فقد كان ينظر إلى استراتيجية كورتز ذات يوم كعلامة على أشياء قادمة، ومخطط أحزاب اليمين الوسط في جميع أنحاء القارة للاستيلاء على السلطة أو الحفاظ عليها من خلال اختيار الأحزاب الشعبوية إلى جانبها عبر الاشتراك في نهج متشدد بشأن الهجرة والهوية.
لكن لا نعلم أين نجح هذا التكتيك. ففي فرنسا، يلعب حزب اليمين الوسط، الذي كان مسيطراً في السابق، بشكل يائس دوراً ثانوياً لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لو بان. وفي الانتخابات الأخيرة في إسبانيا، حاول يمين الوسط اتخاذ موقف أكثر تحفظاً من القومية، وبدلاً من ذلك، رأي شرائح كبيرة من مؤيديه وهم يدلون بأصواتهم لصالح حزب يميني متطرف. وها قد رأينا العديد من الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة تفوز بمكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، التي يبدأ التصويت لها الأسبوع الماضي، وغالباً على حساب فصائل يمين الوسط التقليدية.

*كاتب متخصص في الشؤون الخارجية
*ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»