ليست مثل غيرها، القمة العربية الطارئة التي تُعقد في مكة المكرمة غداً بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وكذلك الحال بالنسبة للقمة الخليجية التي دعا إليها أيضاً. تُعقد القمتان في لحظة بالغة الدقة بالنسبة لمستقبل المنطقة، الأمر الذي يضع على كاهل قادة الدول العربية مسؤولية تاريخية بكل معنى الكلمة. رمزية البقعة المقدسة التي تُعقد فيها القمتان، تفرض شعوراً خاصاً بهذه المسؤولية، وتُضيف إلى جسامة التحديات التي تواجه العرب في اللحظة الراهنة تذكيراً بمكانتهم في تاريخ العالم، ومستقبل ينتظر أجيالهم القادمة.
ورغم أن الوضع العربي العام يبدو اليوم في أضعف حالاته، بالنظر إلى تأثير الأزمات الحادة والحروب المشتعلة داخل عدد لا يُستهان به من البلدان العربية، يحفل التاريخ بأحداث عوَضت فيها حكمة العامل الذاتي ضعفاً ناتجاً عن ظرف موضوعي، وتمكن قادة امتلكوا رؤية واضحة وقدرة على تعبئة الإمكانات المتاحة من تغيير مسارات لم يكن متصوراً إحداث تحول فيها.
وفي وجود قادة دول عدة، حافظت على تماسكها وقوتها، يمكن تجاوز تداعيات الرياح العاتية التي ضربت المنطقة منذ مطلع العقد الجاري، في الوقت الذي يسود اعتقاد بأن العرب باتوا الطرف الأضعف في معادلات الصراع الإقليمي-الدولي في منطقتهم، وعليها، في آن معاً. ويمكن أن تكون قمتا مكة الطارئتان بداية تحول تقوده هذه الدول عبر طرح رؤية واضحة لموقع العرب في هذا الصراع ودورهم فيه، ومن ثم بلورة موقف أكثر تماسكاً في مواجهة التحديات، والاحتفاظ بمسافة كافية عن أي دور خارجي من أجل تعبئة أكبر عدد ممكن من بلدان المنطقة.
ويساعد في تحقيق هذا الهدف، الذي يبدو لبعض المراقبين بعيداً، وجود رؤية واضحة بالفعل لدى الدول التي قامت بالدور الرئيس في مواجهة التهديدات خلال العقد الجاري، الأمر الذي يُيسر بلورة الموقف العربي المطلوب. وتقوم هذه الرؤية على تفضيل وقف التصعيد الذي تشهده المنطقة الآن، قبل أن يأخذها إلى حرب مدمرة لا يريدها أحد، وتفادي تداعيات هائلة تترتب عليها وتؤخر الانطلاقات التنموية التي تحققها هذه الدول في كثير من المجالات، وليس على الصعيد الاقتصادي فقط.
وبإمكان هذه الدول قيادة النقاش في القمة العربية الطارئة باتجاه بلورة موقف متقدم يبدأ بتحديد أبعاد الصراع، ويؤكد التضامن مع الدول التي تتحمل العبء الأكبر فيه، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ويدين الاعتداءات التخريبية التي استهدفتهما، وينطلق باتجاه فتح باب قد يمثل فرصةً أخيرة أمام إيران لمراجعة سياستها، وتحديد المطلوب منها سعياً لحل الخلافات.
ومن الطبيعي أن يقوم هذا الموقف على أسس تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتحفظ الحقوق والمصالح العربية، وتشتمل على التزامات محددة يمكن التحقق منها، وتتضمن برنامجاً زمنياً لوقف التصعيد الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق، وبات قريباً جداً من حافة الهاوية، وإجراء مفاوضات جديدة في إطار آلية مختلفة عن تلك التي أدت إلى الاتفاق النووي في يوليو 2015، على أن تحدد الاتصالات النقطة التي تبدأ منها هذه المفاوضات.
والفكرة هنا أن يصبح العرب شركاء هذه المرة، وليسوا متفرجين، في عملية سياسية هم أكثر المعنيين بها وبالنتائج المترتبة عليها، والتداعيات الناجمة عنها، الأمر الذي يستدعي تشكيل لجنة لإدارة الأزمة الحالية وتفويضها للتحرك في إطار الموقف الذي ستتخذه القمة العربية الطارئة. ومن الطبيعي أن تكون للدول التي تحملت العبء كله في السنوات الأخيرة، وما زالت تؤدي دورها نيابة عن العرب من أجل حماية مصالحهم، الدور الرئيس في هذه اللجنة.
وهكذا يمكن أن تصبح القمة العربية الطارئة، ومعها القمة الخليجية، نقطة تحول في مسار الصراع المتصاعد في المنطقة بمقدار ما تبديه الدول المشاركة فيها من استعداد لتحمل مسؤولية تاريخية في لحظة بالغة الدقة. فمن شأن النهوض بهذه المسؤولية أن يوفر إرادة قوية هي أهم ما يحتاجه العرب اليوم للاضطلاع بدور أدى انحساره، لأسباب عدة، إلى إتاحة الفرصة لقوى إقليمية لكي تتمدد في منطقتهم.
ومن يدري، ربما يذكر التاريخ هاتين القمتين ضمن أحداث عربية كبرى يحفل بها، وتمكن العرب فيها من استنهاض قدراتهم الكامنة في ظل صعوبات هائلة، واستعادة إرادتهم على الفعل الإيجابي المؤثر لحماية حقوقهم ومصالحهم، ومواجهة الأخطار التي تهدّدهم.

*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية