بعد خمسين أو مئة عام من الآن، ربما نقول إن الجهود المنسقة التي بذلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليفاقم خطر التغير المناخي، وهذا هو ما يحدث بدقة، كانت أسوأ خطأ ارتكبه أثناء رئاسته. ويقدم تقرير حديث نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» تفاصيل جديدة بشأن شناعة الأفعال التي ترتكبها الإدارة الراهنة بحق المناخ.
ويقول التقرير: «في غضون الأشهر القليلة المقبلة، سينجز البيت الأبيض عملية التراجع الكامل عن الجهود الفيدرالية المهمة الرامية إلى كبح جماح انبعاثات غازات الدفيئة، والتي بدأت أثناء إدارة أوباما. وستمتد جهود البيت الأبيض لفرض الآراء المتشددة للرئيس دونالد ترامب على دول أخرى، استكمالاً لتراجعه عن التوقيع على اتفاق باريس المناخي، ورفضه مؤخراً التوقيع على بيان مشترك لحماية منطقة المحيط القطبي التي تذوب بسرعة شديدة ما لم تُحذف أية إشارات للتغير المناخي منه»
ويضيف التقرير: «من الممكن أن تكون أكثر أفعال الإدارة خطورة حتى الآن، أنها ستسعى إلى تقويض جميع العلوم التي يرتكز عليها التغير المناخي».
ويبدو أن الهدف هو منع الحكومة من الإقرار بوجود التغير المناخي، وإذا فشلت في ذلك، ففعل أي شيء ممكن لجعله يبدو أقل خطورة مما هو عليه في الحقيقة. وتخطط الإدارة أيضاً لإنشاء منصة جديدة للتقليل من شأن التغير المناخي وتشويه العلوم التي يرتكز عليها، بقيادة المدير رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي «ويليام هابر»، الذي قال ذات مرة: «إن شيطنة ثاني أكسيد الكربون مثل شيطنة اليهود المساكين في ظل حكم هتلر».
لكن لابد أن أسلّط الانتباه بصورة خاصة على هذا الجزء من تقرير الصحيفة، من خلال مناقشة كيف ترغب الإدارة في تحييد تقييم المناخ الوطني، الذي تقدمه الحكومة كل بضع سنوات. فحسبما يقول «هابر»: «إن التغيير الرئيسي سيكون التركيز على درجات الحرارة التاريخية بدلاً من نماذج درجات الحرارة المستقبلية في الغلاف الجوي، وعلى إلغاء (أسوأ السيناريوهات) من تأثير التلوث المتزايد بثاني أكسيد الكربون».
وبينما يجري ذلك، اتخذت الإدارة سلسلة واسعة النطاق من إجراءات تبدو مخصصة لزيادة الانبعاثات الكربونية، تتضمن إلغاء كافة التنظيمات المقيّدة للانبعاثات في محطات الطاقة والسيارات وإتاحة الأراضي العامة أمام تطوير الوقود الأحفوري.
لذا، بينما تفعل إدارة ترامب كل شيء ممكن للحيلولة دون أي تقليص في انبعاثات الكربون، فإنها تحاول في الوقت ذاته منع العلماء في المؤسسات الحكومية من شرح ما سيحدث لو لم نُقلّص الانبعاثات الكربونية.
وهذه الإدارة في طريقها لتصبح أكثر الإدارات تطرفاً بشأن التغير المناخي في التاريخ. وفي الحقيقة، تتبنى إدارة ترامب أكثر الآراء تطرفاً داخل الحزب «الجمهوري». فمع وجود الأدلة الدامغة على أن التغير المناخي أصبح من المستحيل إنكاره، ويحتقر الناخبون الشباب على وجه الخصوص السياسيين الذين يحاولون إنكاره، ويحذر كثير من «الجمهوريين» من زيادة إنكارهم، حتى وإن كان ما يقدمونه لمعالجة المشكلة هو مجرد مقترحات خجولة في أفضل الأحوال. ومثلما يقول المستشار السياسي «الجمهوري» «ويت آيرس»: «إن إنكار الوجود الأساسي للتغير المناخي لم يعد موقفاً يحظى بمصداقية».
لذا، ليس من الحقيقي أن هناك أي منفعة سياسية يمكن تحصيلها من ذلك الهجوم على مستقبل الإنسانية وكل الكائنات الحية على كوكب الأرض. بل ولا يمكن زعم أن ترامب يفعل ذلك لأنه شيء يصدقه بقوة. لكن الحقيقة هي أن الرئيس اعتاد تصديق أن التغير المناخي هو مجرّد خدعة روّج لها الصينيون، ومن ثم يتخذ الآن موقف المنكر له.
ولنتخيل أن الحكومة قررت تقديم إعانات لشركات التبغ، وشجعت الناس بشدة على التدخين، ثم أمرت المعاهد الوطنية المعنية بالصحة ليس فقط بإغلاق مراكز أبحاث السرطان الذي يتسبب التدخين فيه، ولكن أيضاً بالتوقف عن أي ذكر لكلمة «سرطان».. هذا هو ما تفعله إدارة ترامب حالياً بشأن التغير المناخي. وحتماً سندفع الثمن!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»