ترتبط بالتسامح كقيمة أصلية، في هذا المقام، عدة قيم فرعية، بعضها إيجابي مثل الروح المدنية، والتعايش، والتعارف، والتفاهم، والتحاور، وقبول الآخر، والتراحم، والمحبة، والشفقة، والخصوصية، والتعدد. وهناك قيم أخرى سلبية ذات علاقة بقضية التسامح، وهي اللامبالاة، والتساهل.
وهناك فارق جوهري وواسع وعميق بين التسامح واللامبالاة، فالأخيرة قد تكون نابعة من شعور زائف لدى شخص ما بأن العالم يدور حوله، أو هي نتاج تجارب متكررة من الفشل والإحباط، أو تجارب مؤلمة في التعامل مع الناس، أو رغبة دفينة في تجنب المشكلات، أو جراء التبلد الإدراكي حيال ما يجري، أو جهل بفضائل المشاركة، والتعاون، والتسابق في الخيرات. لكن الإنسان الحقيقي لا بد أن يهتم بما يدور حوله، ويتفاعل معه بإيجابية. وصدق الرسول الكريم حين قال: «خير الناس أنفعهم للناس» و«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
أما عن التساهل فهناك ابتداء درجات متنوعة لمبدأ عدم التدخل، كأن يتجاهل المرء الآراء والأفعال التي لا تناسب طبيعته، ويعبر عن عدم تحبيذه لها، وأن يحاول دحض الآراء والأفكار التي لا يستسيغها.
وفي رسالته للتسامح وضع المفكر الفرنسي «جون لوك» مجموعة من الضوابط، حتى لا ينزلق التسامح إلى التساهل أو اللامبالاة، حيال الترويج لمعتقدات وأصول تهدد بتدمير المجتمع، وإشاعة الإلحاد والفوضى، وتدمير بنية الدولة وتعريض مصالحها العامة للخطر، والتعدي على أموال الآخرين وحرماتهم، وإبداء الولاء لحكام أجانب.
ومع انتقال التسامح من رحاب الدين إلى المجتمع، أخذ كثير من المفكرين المدافعين عن «الدولة القومية» يتحدثون بطريقة لا تبين أن بوسعهم «التساهل» مع أي شخص لا يعطي الدولة موقعها ومكانتها، نظراً للوظائف المهمة التي تؤديها للناس، ثم جاءت النزعة الحقوقية التي سادت في الغرب لتطلب ما هو أعلى من «التسامح»، منتقدة الأخير باعتباره ينطوي على نوع من التفضل والتعالي، في مقابل أولئك الذين شددوا على ضرورة اعتزاز الإنسان بعقيدته وأفكاره، وعدم التعاون فيها.
وجاءت اليونيسكو لتقدم تعريفاً شاملاً لـ «التسامح» في دورتها الثامنة والعشرين التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر من عام 1995، ففي الوقت الذي رأت فيه أن التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا، وأنه ليس واجباً أخلاقياً فحسب، إنما هو واجب سياسي وقانوني أيضاً، وأنه الفضيلة التي تيسر قيام السلام، وتجعل ثقافته تحل محل ثقافة الحرب، فإنها أقرت حق الناس بالاعتزاز بعقائدهم، وعدم التهاون فيها بغية إرضاء الآخرين، إنما عليهم أن يفهموا أن هؤلاء من حقهم الاعتزاز بعقائدهم وخصوصياتهم أيضاً.
ولا يمضي التسامح في قيمه في مسار هين لين، بل هناك عقبات تعترضه. فمن يمعن النظر في أحوال المجتمعات البشرية التي تعاني من آثار التعصب، بوسعه أن يضع يده على عدة أسباب وراء غياب التسامح، يمكن ذكرها على النحو التالي: أولاً: استمرار الطبيعة البشرية البدائية، أو حالة التوحش، في نفوس بعض البشر، بما يجعل التسامح هو الفضيلة الصعبة، حسب تعبير برنارد ويليامز، نظراً لأنها تحتاج إلى تدريب قاسٍ، وعمل مضنٍ، لكبح جماح التطفل والفضول، والرغبة في التدخل في شؤون الآخرين. وبذا يصبح العيش المشترك رهناً بقدرة الإنسان على تغيير «اجتماعيته الطبيعية» إلى «اجتماعية معقلنة وواعية» وفق قاعدة الأُنس والمحبة. ثانياً: جهل البعض أو قلة وعيهم بالعواقب الوخيمة المترتبة على عدم إدراك عواقب الكراهية، والتي أدت إلى فتن وحروب أهلية في كثير من الدول. ثالثاً: الظروف الصعبة التي تواجه المجتمعات التي تعاني من ندرة الموارد، حيث التزاحم والتكالب على كل شيء، وتراجع الثقة في الآخرين، وتفشي الأنانية. رابعاً: الأيديولوجيات التي تقود إلى التعصب، مثل النازية والفاشية، وأفكار الجماعات الدينية المتطرفة.
خامساً: الصراع حول المصالح والمعتقدات، بحيث يصبح الفارق بين الأغلبية والأقلية هو القدرة على تعبئة الموارد من أجل الإيذاء. سادساً: سياسات بعض الدول التي تقوم على أساس الدين أو العرق، وتفرض قوانين تقر التمييز وتدافع عنه.