لا يختلف اثنان على الدور المهم والاستراتيجي الذي تقوم به مؤسسات التعليم العالي في أي مجتمع وخاصة في ظل التطورات المتسارعة والاحتياجات المتزايدة في سوق العمل بقطاعاته الحكومية وشبه الحكومية والخاصة. والمتابع للمناقشات التي تدور على المستوى الأكاديمي، يلاحظ استمرار الجدل حول مهام مؤسسات التعليم العالي إذ أنه خلال ما يزيد على 800 عام من تاريخ إنشاء الجامعات بمفهومها الحديث ما زال النقاش يدور حول الهدف من تأسيسها بالرغم من الاتفاق العام حول مهامها الرئيسة.
وتشمل أبرز مهام مؤسسات التعليم العالي تعليم وتطوير مهارات الطلبة لدخول سوق العمل إضافة إلى ترسيخ مكانتها كمصدر للمعرفة والاختراعات في مجال التكنولوجيا والمساهمة في تطوير المجتمع. والمتتبع لمهام مؤسسات التعليم العالي لا يسعه إلا أن يلاحظ نقطتين رئيسيتين. تتمثل الأولى في مدى قدرة «الجامعة» على تأسيس العلاقة بين دورها في مجال تعليم الطلبة وتطوير مهاراتهم الشخصية وبين دورها كمصدر للمعرفة من خلال البحث العلمي، وعامة لا تستطيع كافة الجامعات إنشاء تلك العلاقة فنجد غالبية الجامعات تقوم بدور «التعليم» فقط على حساب البحث العلمي بينما تبرز قلة من الجامعات في المسارين معا. أما النقطة الثانية والتي تتولد من سابقتها، فتتمثل في «المسمى» الصحيح للجامعة إذ يتجه النقاش الأكاديمي في الآونة الأخيرة حول تسميتها بالجامعة فقط إذا قامت بدورها التعليمي أم يُطلق عليها هذا الاسم في حال تركيزها على إجراء البحوث العلمية ونشرها.
ولكن بالرغم من تزايد النقاش الأكاديمي مؤخراً حول تعريف دور مؤسسات التعليم العالي إلا أن الحقيقة التي لا تقبل الجدال حولها هي مدى التطور الذي بلغته الجامعات في العديد من الدول المتقدمة في مجال «البحث والتطوير» والذي يُنظر إليه كمستوى متقدم عن «البحث العلمي». فالملاحظ أنه في الوقت الذي تنحصر فيه مهام ومخرجات البحث العلمي في معظم الأوقات داخل حرم الجامعة باعتبار أنه عمل أكاديمي بحت، نجد «البحث والتطوير» يخرج من نطاق مؤسسات التعليم العالي ليضع الأساس الذي تنطلق منه الدول المتقدمة نحو المستقبل أو بشكل أكثر دقة نحو رسم المستقبل الذي يريدون تحقيقه للشعوب وذلك بالتعاون بين الجامعات والقطاع الحكومي في بعض الأوقات والقطاع الخاص في غالبية الوقت. وبالتالي فإن مجالات ودائرة البحث والتطوير تتسع لتشمل بجانب الجامعات، القطاعات الحكومية والخاصة بغرض اكتشاف حلول لمشكلات معينة أو ابتكار خدمات أو سلع جديدة في العديد من المجالات ذات الاهتمام أو إحراز تقدم في مجال علمي محدد.

واستناداً للتقارير الرسمية الدولية، فإن الإنفاق الدولي على البحث والتطوير قد بلغ ذروته في الأعوام الأخيرة إذ وصل إلى ما يناهز 1.7 تريليون دولار أميركي وتنفق 10 دول فقط 80% من تلك النفقات تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ثم الصين فدول الاتحاد الأوروبي فاليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية والهند وفرنسا والمملكة المتحدة ثم روسيا. وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبناء على الطفرة التي بلغتها مؤسسات التعليم العالي في الدولة، سواء الحكومية أو الخاصة، فإنه من المهم بمكان تأسيس «إطار» للبحث والتطوير يجمع الجامعات، ذات التصنيف المتقدم بين مثيلاتها على المستوى الإقليمي والدولي، وبين القطاعين الحكومي والخاص مما يساعد على تحقيق عدة أهداف. فبجانب تحسين مركز الدولة على المستوى العالمي بين الدول التي تنفق على البحث والتطوير، فمن المتوقع المساهمة في تعزيز مجالات البحث والتطوير وتحقيق المزيد من الإنجازات بناء على الأهداف الاستراتيجية للقيادة وبما يعود بالفائدة على سياسات الدولة التي ترمي إلى تحقيق الريادة ضمن استراتيجية دولة الإمارات الحكومية المتكاملة لاستشراف المستقبل التي تهدف إلى توليد الأفكار والمبادرات المستقبلية في ضوء الثورة الصناعية الرابعة.