«أرقى فنون الحرب هو أن تقهر عدوك دون قتال». قال ذلك قبل 2400 عام العسكري الصيني «صون تزو» في كتابه «فن الحرب». ويُقرُّ بالقهر أدميرال البحرية الأميركية «بيل أوينز» في مقدمة كتاب «سرّ هواوي»، حيث يلخص سبب نقمة واشنطن على بكين بالسطور التالية: «لم تعد الولايات المتحدة قائدة العالم في الاتصالات ومكوناتها. وحان وقت تخلي حكومات الغرب عن تاريخ الاتهامات ضد (هواوي) وردود الاتهامات، والتسليم بأن (هواوي) تملك التكنولوجيات التي تحتاجها أميركا». و«أوينز» الذي شغل منصب نائب رئيس القوات المسلحة الأميركية، ورأس «نورتيل»، وهي واحدة من أكبر ثلاث شركات اتصالات أميركية، يحثُّ واشنطن على التعلم من أسلوب الشركة الصينية: «في بحثنا عن مقاربات جديدة في هذا العالم، الذي لا يمكن التنبؤ به، علينا تأمل هذه الشركة التي يملكها العاملون فيها، ورئيسها المتواضع، الذي أسسها، وفلسفتها المختلفة».
وإذا كان الذكاء وحده، من دون الحكمة، دليلنا لفهم «هواوي» والصين فلن نفهمهما. وهذه مشكلة واشنطن «الذكية» التي لا تستطيع، وبالأحرى لا تريد أن تفهم. والحكمة المرحة سادت «منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي» في الأسبوع الماضي، والذي حضره ممثلو 140 دولة، ونحو 5 آلاف صحفي، وفيه أعلن الزعيم الصيني «شي جينبينغ» عن استعداد بلاده للمشاركة في تكنولوجيا G5 التي طوّرتها «هواوي». وثارت عاصفة من التصفيق والضحك، عندما سئل الزعيم الصيني عن نتيجة الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، فقال: «ربما تكون الإجابة بين الأوراق التي في يدي»! واستشهد بحكمة صينية تقول: «إذا كنت غير سعيد بالقمل في معطفك الفرو فلا ينبغي لك أن ترميه في الفرن». والمعطف هو العولمة التي تخلت عنها واشنطن واحتضنتها الصين وروسيا.
والصين فتحت أبوابها، فيما فرضت واشنطن على «جوجل» و«فيسبوك» وقف علاقاتهما مع الصين. وهذا بمثابة «الستار الحديدي» حسب «نيويورك تايمز». وحذّرت «جوجل» من عواقب أمنية وخيمة قد تلحِقُها القيودُ الأميركية على الصين، والتي ستضطر «هواوي» إلى تطوير نظام تشغيل خاص بها. ولم تنتظر «هواوي» أن تدرجها وزارة التجارية الأميركية في القائمة السوداء، فالنظام البديل الذي تطوره ستطلقه في الخريف القادم. ومراسيم الاتفاق على المشاركة في تطوير G5 بين بكين وموسكو أهم حدث في منتدى «بطرسبرغ» الذي شاركت فيه 1300 شركة أجنبية و2500 روسية، وحقق الرقم القياسي في عدد الصفقات: 650 صفقة بقيمة 46 مليار دولار.
وليس مصادفةً أن تكون الصين الشيوعية، السبّاقة في تطوير G5 الذي يحدث ثورةً في قوى وعلاقات الإنتاج على حد سواء، والتي توقعها الفيلسوف «ماركس» المرفوعة صوره في الميادين العامة بالصين. فالجيل الرابع وضع في أيدينا هواتف ذكية، تقوم بمهام الاتصالات ومعالجة المعلومات، وأتاح لأكثر من مليار شخص مجانيةَ تبادل رسائل مدوّنة وصوتية عبر «فيسبوك» و«واتس آب» وغيرهما. فما الذي يهبنا الجيل الخامس، الذي تبلغ سرعته حسب تجارب «كوالكوم» 20 ضعفاً على الأقل؟ يجيب على السؤال تغير العلاقات الدولية، حيث طالب مسؤولون أوروبيون واشنطن بتقديم معلومات تبرهن على أن حكومة بكين تستخدم أجهزة «هواوي» للتجسس، والتي تعتمد عليها شبكات اتصالات لاسلكية أوروبية كبيرة، بينها «فودافون» و«دويتشه تيليكوم»، وتغييرها يؤخر إدخال الجيل الجديد من الاتصالات، في الهواتف الذكية وعشرات الأجهزة التي تدخُل جميعَ مجالات الحياة، من الألعاب، و«الروبوتات» المستخدمة في أعمال الإنقاذ في مواقع يستحيل على عمليات الإسعاف بلوغها، والعربات ذاتية الحركة، والعلاج الطبي من بعيد، والتشغيل الآلي للمصانع، و«العقل الاصطناعي»، و«إنترنت الأشياء» الذي يجعل جميع الأجهزة الإلكترونية (من الطائرات إلى المعدات المنزلية) تتواصل فيما بينها، وتنظم عملها ذاتياً.
إن الجيل الخامس، وباختصار، يجعل الواقع الافتراضي أكثر واقعية، والعقل الاصطناعي أكثر عقلانية، والبشر الآليين أكثر بشرية.
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا