أمضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأيام الأخيرة من شهر مايو الماضي وأوائل شهر يونيو الجاري في زيارتين بروتوكوليتين إلى كل من اليابان وبريطانيا إلى جانب زيارتين جانبيتين قصيرتين أداهما إلى كل من إيرلندا وفرنسا. ولئن كانت جولة ترامب الخارجية لم تخل من بعض «المطبات» الدبلوماسية الصغيرة المتفرقة، فإنه يمكن النظر إلى زياراته خلال تلك الجولة إجمالا، باعتبارها نجاحاً لكل الأطراف تقريباً.
فقد شهدت الزيارة الرسمية إلى اليابان انخراط الرئيس ترامب في محادثات تجارية مع المسؤولين اليابانيين، لكن ربما الأهم من ذلك من الناحية الخبرية هو لعبه الجولف مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ومشاهدته لمباراة في مصارعة السومو. ولعل الأهم في هذه الزيارة هو لقاؤه الأول مع الإمبراطور الياباني الجديد ناروهيتو الذي تقلد منصبه في الأول من شهر مايو المنصرم، بعد يوم على تنحي والده، الإمبراطور أكيهيتو، عن الحكم بسبب تقدمه في السن وتردي حالته الصحية. وجاءت الزيارة على النحو الذي يحب ترامب أن تكون عليه بالتمام: قليل من الحوار السياسي وكثير من الوقت في الأبهة والراحة والاحتفاءات الفخمة.
أما عن زيارة ترامب الرسمية إلى بريطانيا فقد شملت معظم الجوانب الجذابة المرتبطة بزيارة دولة رسمية. ولعل الأهم كان لقاءاته مع الملكة والعائلة الملكية، وربما الأقل أهمية كان لقاءاته القصيرة مع النخبة السياسية البريطانية، مثل رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي. غير أنه خلافاً لباراك أوباما، لم يتلق ترامب دعوةً لإلقاء خطاب أمام البرلمان في ويستمنستر، كما لم يشهد عرضاً لفرقة الخيالة على شارع «ذا مول» الشهير. ذلك أنه في الحالتين، اعتُبر أنه من الحكمة ألا يتم تعريضه لغضب وسخرية كثير من المواطنين البريطانيين الذين يعارضون أسلوبه وسياسته وبعض تصرفاته.
ومن وجهة نظر ترامب، كانت تلك الفعاليات مثالية إلى حد بعيد. مأدبة عشاء ملكية رسمية في قصر باكنغهام دُعي إليها أيضاً كل أبنائه الكبار، وجلسة شاي مع الملكة، وزيارة خاصة إلى كنيسة ويستمنستر آبي برفقة الأمير تشارلز.. كانت أحداثاً بروتوكولية وجادة. وعلى الرغم من أنه كانت ثمة جهود حثيثة من الجمهور للاحتجاج على الزيارة، إلا أن ترامب لم يكن قريبا من الحشود العدائية في أي مكان ولم ير مباشرة إلا القليل من المحتجين في أماكن زيارته.
ومن منظور الحكومة البريطانية، فقد مثّلت الزيارة نجاحاً مهماً، لأن نظرة الجمهور لها عموماً كانت جيدة، وترامب كان مسروراً، وقد أثنى على الملكة كما أشاد بجهود «ماي» الشجاعة (وغير الناجحة مع ذلك) للحصول على اتفاق بشأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإقراره داخل البرلمان البريطاني.
وبالنسبة للكثير من الأميركيين، فقد شكّلت الصور القادمة من قصر باكنغهام تذكيراً بالعلاقات الوثيقة التي تربط بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وحقيقة كون رئيسهم لم يتعرض خلال الزيارة لأية إهانة ولم يتصرف بشكل غير دبلوماسي في حضور الملكة البالغة من العمر 93 عاماً.
ولعل الدرس المستخلص من هذه الزيارات هو أنه إذا التزم ترامب جيداً بالنص المعدّ له سلفاً، وأبقى على تغريداته في صفحته على تويتر في الحدود الدنيا، وتحاشى المواجهة مع الصحافة المرافقة.. فحينئذ يمكن القول بأنه يملك أدوات تستطيع مساعدة الدبلوماسية الأميركية. كما أنه يكون مرتاحاً أكثر في المناسبات البروتوكولية عندما تكون خطاباته معدةً سلفاً من قبل فريقه. وبالمقابل، أثبتت تصرفاته في المحافل الدولية الكبيرة، مثل القمتين الاقتصاديتين لمجموعة السبعة ومجموعة العشرين والاجتماعات السنوية لحلف «الناتو»، أنها قد تكون صدامية وعديمة الجدوى. وقد كان نظراؤه الأجانب مذهولين إزاء عدم جاهزيته ومحدودية معرفته بالكثير من الحقائق الأساسية حول تاريخ هذه المؤسسات وميراثها. ومرد ذلك جزئياً إلى طبيعة شخصية ترامب وحاجته إلى أن يكون مركز الاهتمام في مثل هذه اللقاءات. والحال أن هذا أمر يصعب تحقيقه إذا كنت تتنافس مع بعض الزعماء الذين لديهم نرجسية وأنا متضخمة أيضاً ويعتقدون هم كذلك أنهم أصحاب تميز خاص.
بيد أنه من حسن حظ ترامب أنه في ما عدا تحقيق مولر حول التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016، ومعاركه الطويلة مع زعماء الحزب الديمقراطي.. فإنه أصبح رئيساً للولايات المتحدة في فترة يسجل فيها الاقتصاد نمواً ملحوظاً ولا تشهد فيها البلاد أي أزمات أمنية قومية كبيرة، مثل تفجيرات إرهابية أو حرب مع كوريا الشمالية أو إيران. بيد أنه ما زالت هناك حالة من عدم اليقين بخصوص كيف سيتصرف في أزمات من ذلك النوع، والكثيرون يأملون ألا يضطر لمواجهة هذا الاختبار قريباً.