أدلى جو بايدن، في الآونة الأخيرة، ببعض التصريحات الغريبة نوعاً ما. فهناك بعض الرعب، فيما يبدو، تسبب فيه تقلبه بشأن «تعديل هايد»، الذي يحظر استخدام الأموال الاتحادية في الإجهاض في حالات معينة. كما أشار بايدن مراراً إلى أنه يستطيع العمل مع الحزب الجمهوري بعد ترامب، مؤكداً أن انتصاره سيؤدي إلى انقسام شديد في الحزب الجمهوري. لكن شيئاً من هذا لم يؤثر حقاً في مكانة بايدن باعتباره المرشح الأوفر حظاً في الفوز لعام 2020، رغم أنه من الصعب الدفع بأن هذه المواقف تعزز مكانته أيضاً. وعلى الأغلب، بوسع المرء أن يرى أن هذه المواقف من طبيعة بايدن.
لكن هناك مجالاً محورياً يتميز فيه بايدن حقاً فيما يبدو عن الباقين، وهو موقفه من الصين. ففي كلمته في ولاية أيوا الشهر الماضي، أعلن بايدن «هل ستأكل الصين غداءنا؟ بالله عليكم! إنهم لا يمثلون منافسة لنا». ولاحقاً، كتبت نهال توسي في موقع بوليتكو للأنباء السياسية تقول: إن بايدن أعلن أمام جمهوره في نيوهامبشير قائلاً: «عمالنا أكثر إنتاجية حرفياً ثلاث مرات عن العمال في آسيا. فعلام نقلق؟»
وأشارت توسي، في الآونة الأخيرة، إلى أن حملة الرئيس دونالد ترامب حريصة على التقاط تعليقات بايدن، التي تقلل من شأن خطورة الصين وتنتقدها بشدة. لكن بحسب قول توسي، «أعلن عدد من معاوني بايدن الحاليين والسابقين أن خطاب بايدن في الآونة الأخيرة، الذي يرى أن هناك مبالغة في المخاوف من الصين ليس هفوة. ويقولون إن بايدن يسعده أن يخوض معركة مع ترامب بشأن الصين، يحدوه اليقين بأن رسالته التي تنطوي على الثقة بالقوة الأميركية ستتفوق على خطاب ترامب، الذي يحذر من الخطر ويعلن حرباً تجارية تحركها الرسوم الجمركية على بكين».
وهذا لافت للانتباه لعدد من الأسباب: أولها أن عدم الخوف من الصين هو نهج سياسي مهم لا غبار عليه. لكنه نهج يعارض الإجماع الحزبي الحالي في واشنطن. بالإضافة إلى هذا، هناك حجة جيدة يمكن إقامتها بأن حملة الخوف من الصين تحت هاشتاج #OMGChina! (يا إلهي الصين!) مبالغ فيها وغير مثمرة.
وثاني هذه الأسباب أن هذا النهج يجعل بايدن يبدو مختلفاً عن السناتور الديمقراطية اليزابيث وارين، على سبيل المثال، حين يتعلق الأمر بمسائل التجارة. فمن المزعج أن نرى كثيرين من مرشحي الحزب «الديمقراطي» يشبهون كثيراً ترامب حتى في الوقت الذي توضح فيه بيانات استطلاعات الرأي أن الحمائية ليست موقفاً سياسياً رابحاً حقاً. وكما أشار «نيل إيروين» من صحيفة «نيويورك تايمز» في الأيام القليلة الماضية أن هناك طريقة لانتقاد ترامب بشدة بشأن التجارة يمكنها أن تتوسل في الوقت نفسه بموقفه المناهض لآلية عمل الأسواق ومعارضة مصالح العمال. وكتب «إيروين» يقول «يمكنك تخيل الدعوة لحجة تجارية من مرشح «ديمقراطي» لسباق 2020 تمضي على نحو يشبه التالي: سأعمل مع الحلفاء لمواصلة الضغط على الصين بشأن ممارساتها غير العادلة، لكن دون فرض رسوم جمركية بلا نهاية على آلاف البضائع، التي تفرض أعباء على المستهلكين الأميركيين، وتتسبب في رد انتقامي ضد المزارعين الأميركيين».
ومن المؤكد أن الجزء الخاص بالصين في كلمة بايدن، في «أيوا»، يشبه بشكل كبير الطرح المفترض الذي قدمه «إيروين» القائم على فكرة مؤداها: «بينما يخوض ترامب حرباً تجارية مدمرة تضل السبيل دون أي استراتيجية حقيقية، تقدم الصين نفسها باعتبارها رائداً للعالم في الطاقة المتجددة. وبينما يهاجم ترامب أصدقاءنا، تستفيد الصين من مزاياها على امتداد العالم، لذا تراهنون إنني قلق من الصين- إذا اتبعنا طريق ترامب. لكن ما يجعلني متفائلاً، والحجة التي أقيمها منذ سنوات هي أنه إذا قمنا بما يتعين علينا عمله هنا في الداخل، وإذا دافعنا عن المصالح الأميركية، وإذا استثمرنا في شعبنا وعشنا قيمنا وعملنا مع شركائنا، يمكننا التغلب في المنافسة على أي أحد». ونقح بايدن موقفه قليلاً عن هذه الكلمة مشيراً إلى أن الصين تمثل تهديداً. لكنه استمسك بأن التحدي الذي تمثله الصين يمكن احتواؤه بسهولة إذا توقفت الولايات المتحدة عن اتباع السياسات الانهزامية.
والجدير بالذكر هنا أن الدورات الرئاسية في الآونة الأخيرة شهدت ظهور مرشح بارز ما يصدر تصريحاً ما في السياسة الخارجية يصفه الجميع بأنه هفوة، فيما عدا المرشح وفريقه. ففي عام 2008 كان باراك أوباما هو من قال إنه مستعد للجلوس مع الزعيم الإيراني. وفي عام 2016، أدلى ترامب بتصريحات كثيرة اُعتبرت على نطاق واسع أنها هفوات. وفي كلا الحالتين، ما اُعتبر في الأساس خطأ وهفوة تحول إلى وسيلة للمرشح يميز بها نفسه في المرحلة التمهيدية من الانتخابات.
ولا أدري إذا ما كان موقف بايدن من الصين سيندرج في هذه الفئة أم لا، لكني أشعر بالتشويق حين أجد مرشحاً يخرج عن الطريق الذي يسلكه الجميع. وعلى أي حال، أصبحت لدينا قضية مهمة تستحق الجدل.
*أستاذ السياسة الدولية في جامعة «تافتس» الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»