انطلاقاً من سعيها الدائم إلى تطوير منظومتها التربوية وضمان الحصول على مخرجات تتلاءم مع طموحاتها في مواصلة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على انتقاء كل التجارب التي أثبتت نجاعتها في تشجيع المواهب وتحفيز التلاميذ والطلاب على التميز في مسارهم التعليمي؛ ولذا كرست المؤسسات التربوية والوزارة المعنية -بدعم وتشجيع من القيادة الرشيدة- كلّ جهودها لإظهار القدرات المميزة للطالب الإماراتي في مختلف المراحل، وفي شتى المجالات.
فقد أدركت قيادة دولة الإمارات منذ السنوات الأولى للاتحاد الدور الحيوي لذوي الكفاءات وأصحاب المواهب والمهارات في الدفع بعجلة التنمية والبناء والتعمير من خلال تقديم الأفكار النيرة وتقديم الرؤى السديدة والسهر على تطبيق الخطط والبرامج الهادفة إلى تطوير قطاع التعليم، وتحسين جودة الصحة وتطوير الخدمات الاجتماعية وتبني آخر المستجدات في مجال التكنولوجيا.
ونظراً للمراحل المتقدمة التي وصلت إليها دولة الإمارات اليوم بفضل جهود الرعيل الأول من أبنائها من أصحاب المواهب، فإنها تواصل اليوم السير على الخطى نفسها؛ من خلال إدخال المناهج والأساليب التربوية والتعليمية الحديثة في الجامعات والمدارس؛ كي تكون بيئة محفزة للإبداع والتميز أكثر منها مؤسسات رسمية رتيبة تعتمد التلقين، واجترار المعارف، والعلوم السابقة.
ففي سياق الرغبة في تجاوز تلك المرحلة في دولة الإمارات، يأتي اليوم تنظيم حوار«السياسات التعليمية» الذي نُظّمه مؤخراً المركز الإقليمي للتخطيط التربوي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في عجمان؛ لاستعراض التجارب العربية والدولية في مجال اكتشاف ورعاية الطلبة الموهوبين، وآليات بناء السياسات التعليمية المتخصصة في هذا المجال.
فقد ناقش المشاركون، من خبراء ومختصين بمنطقة الخليج العربي والعالم، سياسات اكتشاف ورعاية الموهوبين بدولة الإمارات، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي، وتحديد السبل المناسبة لتحسين السياسات التربوية وطرق تنفيذها ونتائجها. فيما عكس معالي حسين بن إبراهيم الحمادي، وزير التربية والتعليم الرؤية الرسمية لدولة الإمارات في هذا المجال، حيث أكد سعي الوزارة إلى بلورة رؤية تعليمية عصرية واعدة، تقربها أكثر من الأدوات والوسائل والتصورات التي يمكن أن نستثمر بها للوصول إلى منهجية وطنية موحدة في مجال اكتشاف ورعاية الطلبة الموهوبين، وذلك ضمن إطار المدرسة الإماراتية؛ عبر بناء سياسات تعليمية وممارسات حديثة متخصصة، إلى جانب مراجعة السياسات العالمية في هذا السياق؛ فضلاً عن وضع السياسة السابقة في هذا المجال موضع التمحيص، والتدقيق، والمراجعة، والتحسين.
ويبرهن تنظيم مثل هذه الجلسات والنقاشات على شهادات الكثير من المؤسسات العالمية والإقليمية على عناية دولة الإمارات بأصحاب المواهب، وتوفيرها المناخ الملائم أمامهم للتميز والإبداع، وهي عناية باتت تتجاوز أبناء دولة الإمارات إلى غيرهم من أبناء الجاليات المقيمة على أرضها، بل وحتى الموهوبين في مختلف أرجاء العالم.
فقد استطاعت دولة الإمارات خلال السنوات الأخيرة أن تستقطب كلّ الباحثين عن التميز من أصحاب المواهب في العالم، كما تمكنت في ظرف وجيز من أن تعيد إحياء النهضة الثقافية والعلمية التي عرفتها الأمة العربية والإسلامية خلال قرون الازدهار، سواء تعلق الأمر بدورها في تنظيم مسابقات تنمية مواهب الأطفال في مجال القراءة، أو بإتاحتها الفرصة للمبدعين للتنافس بإنتاجهم العلمي، أو احتضانها الكثير من الفعاليات الثقافية والفكرية والعلمية العربية والدولية.
يضاف إلى كلّ ما سبق أن دولة الإمارات لم تتمكن فقط من استعادة الدور العلمي والثقافي للتاريخ الناصع للأمتين العربية والإسلامية، وإنما استطاعت كذلك أن تستلهم من تاريخ النهضة الحضارية وفكر التنوير لدى شعوب العالم المتقدمة؛ فوفرت بيئة مناسبة للاستقرار، وأتاحت فرص العمل أمام المبدعين، وخلقت الفرص أمام الطامحين، وبنَت اقتصاداً قائماً على المعرفة، وغير ذلك الكثير من الإنجازات.

 *عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.