في بداية الألفية الثالثة أو قبلها بسنوات قليلة، خرجت كتابات وتنبؤات في عدد من دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، تشير إلى أن الدور العربي - الذي تقوم به دول الخليج العربي ودول شمال أفريقيا - سيتراجع كثيراً على صعيد إنتاج موارد الطاقة الأحفورية: النفط والغاز الطبيعي. وعزت تلك المصادر أسباب ذلك إلى زيادة إنتاج الغرب ذاته وحلفائه وشركائه الرئيسيين من غير العرب من النفط والغاز الطبيعي، لكن إلى الآن لم يحدث شيء من ذلك بشكل مؤثر يهز من الأدوار العربية في إنتاج مصادر الطاقة التي تزود بها العالم شرقاً وغرباً، وهو أمر قد يثير الاستغراب إذا نظرنا إلى التطورات والتغيرات الدرامية الواضحة التي حدثت على صعيد إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي في عالم اليوم، فما أسباب ذلك؟ وهل تقوم دول الغرب المستهلكة للطاقة بتأجيل استخدام ما لديها من موارد كامنة لكي تستنزف المخزونات العربية أولاً، ثم تعود بعد ذلك إلى استخدام ما لديها، إما بسبب كلفة إنتاجه العالية حالياً، مقارنة بإنتاج موارد الطاقة في العالم العربي، أو لأهداف استراتيجية تخصها على المدى البعيد؟
وحقيقة أن الأمر محير فعلاً، فالتغيرات موجودة على صعيد بنية موازين الطاقة العالمية التي من الممكن لها أن تغير بشكل كبير، وتؤدي إلى تخفيض الدور العربي في ذلك الميزان.
ففي بداية الألفية الثالثة، أدت منظومة من التطورات التكنولوجية والخيارات السياسية إلى بروز ما يمكن تسميته بـ«إعادة تنظيم يقودها المنتجات الهيدروكربونية للجيوبوليتكس». ووفقاً لهذه المقولة، فإنه مع ولوج عام 2020 من المحتمل أن يعود مركز الإنتاج مرة أخرى إلى سابق عهده، الذي بدأ به وهو الغرب، خاصة دول الأميركيتين الولايات المتحدة وكندا وعدد من دول أميركا الجنوبية، وهي المناطق التي بدأ فيها إنتاج مصادر الطاقة الأحفورية قبل أن تكتشف في العالم العربي وبعض دول جواره الجغرافي في خمسينيات القرن العشرين. مثل هذه التطورات حاصلة مع اختراع التكنولوجيا الحديثة كالحفر الأفقي، والتقنيات الأقل أضراراً وهدراً بالآبار التي تجعل من الممكن استخراج كميات هائلة من مخزون الهيدروكربونات غير التقليدية في الأميركيتين التي تقدر مخزوناتها بحوالي 2.5 تريليون برميل من الزيت غير التقليدي في كندا، و2 تريليون برميل في الولايات المتحدة، وما يزيد على 2 تريليون برميل في أميركا الجنوبية.
هذه المخزونات مجتمعة ـ التي تتكون من النفط الصخري الموجود على سطح الأرض والرمال النفطية، ومكونات النفط الثقيل، والمخزونات الكامنة في أعماق المحيطات التي كان من الصعب استخراجها في السابق بسبب عمق المياه، كما هو موجود في ساحل المحيط الأطلسي المواجه للبرازيل ـ تفوقت على ما يقدر مخزونه بحوالي 1.5 تريليون برميل من النفط التقليدي في العالم العربي وشمال أفريقيا.
لذلك فإن ناقوس الخطر لا بد وأن يدق منذ اللحظة لكي ينتبه العالم العربي من خليجه إلى محيطه بأن ما لديه من ثروة نفطية وغازية تأتي من مصادر ناضبة وعرضة للتغير والتراجع والإحلال في أي لحظة، نعم هي قد تكون لحظة من نوع خاص طويلة الأمد بعض الشيء، لكنها آتية لا محالة.
في هذا السياق، فإن المطلوب أولاً هو الاستفادة من كل فلس يأتي من هذه الثروة وعدم هدره، واستغلاله في صالح الأوطان والمواطنين.
وثانياً، تنويع مصادر الدخل بشتى الطرق الممكنة ضماناً وتأميناً لمستقبل الأجيال المقبلة، والوسائل لتحقيق ذلك كثيرة وممكنة.
في هذا السياق، القصد ليس إخافة الإنسان العربي في الدول المنتجة للنفط والغاز من مستقبل مظلم بعد تراجع إنتاج هذه الثروة، فهناك مؤشرات أخرى توضح أن التطوير في القدرة الكاملة للثورة الهيدروكربونية غير التقليدية تقف أمامه عراقيل بيئية وسياسية التخلص منها سيطول بسبب قدرة جماعات الضغط العاملة في هذه النشاطات على تحدي رغبات حكومة الغرب وشركاته العملاقة، بالإضافة إلى الكلفة العالية للإنتاج مقارنة بالنفط العربي، ولكون معظم إنتاجه لا يذهب إلى الغرب وحده بل إلى الشرق: الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وباكستان، بكميات لا يستهان بها، ربما تفوق كثيراً ما يذهب إلى الغرب.
*كاتب إماراتي