سبق وأن كتبت هنا حول دور وتأثير الإعلام وأهميته وكيفية إدارة الأزمات إعلامياً وقت اشتدادها، وبيّنت الدور الإعلامي المطلوب لتلافي وقوع الحدث ومعالجته واستشعاره قبل حدوث الأزمة.. وقد وصلتني تعليقات كثيرة جعلتني أتشجع وأطرق الموضوعَ مرة ثانية، لأهميته في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة.
وربما تناولت الموضوع بشكل شامل أو من زاوية مشهد المتفرج من بعيد وليس المتبصر عن كثب، ولامني البعض لماذا لم أدخل في العمق إلى التفاصيل الدقيقة لمهنة الإعلامي والدور المناط به في موقعه المهني، فقلت: هنا تكمن المشكلة نفسها!
المهم أن إعلامنا الخليجي اليوم يخضع لامتحان عصيب وغير يسير، وهو على المحك بسبب الظروف الإقليمية والدولية الحالية، لأنه في قلب الحدث وفي عين العاصفة وعلى خطوط التماس مباشرة أو قريباً منها، والمنطقة حبلى بالأحداث الساخنة.. فخليجنا العربي حالياً يشهد سخونةً غير عادية في هذا الصيف الحار المضطرب والمتوتر، حيث تظهر قرب شواطئه حاملات الطائرات والبوارج والفرقاطات.. والمنطقة كلها على صفيح ساخن بسبب ما تشهده من قلاقل ونزاعات مسلحة محتملة، وهناك نذر نشوب حرب تزداد احتمالاتها.. لذلك نحتاج إلى إعلام مسؤول أكثر وعياً ويقظة ودراية وفطنة وحرصاً من أي وقت مضى. فبعض إعلامنا على الأقل كان في حالة استرخاء وهدوء، يبدو معها خجولاً ومنكفئاً على نفسه، وكان يتعامل بالعواطف وردود الأفعال، ولم يكن مبادراً ولا محفِّزاً في كثير من الأحيان.
الإعلامي مثل المقاتل المدجج بالسلاح، الواقف عند الساتر الأول على خطوط التماس النارية، في معركة ضروس على المواقع الأمامية. وإذا كان حارس الوطن هو الجندي المقاتل الفطن، الذي يحمل السلاح وهو متأهب لكي يستبسل ويرصد تحركات العدو للانقضاض عليه في الوقت المناسب.. فإن الصحافي من موقعه هو حارس آخر للوطن، وفي ظرف كالظرف الحالي فإن الصحفي يشبه المقاتل على الخطوط الأمامية للجبهة.
الصحفي المتخصص الذي يحمل رسالة وطنية ومهنية، بروح عالية وحرفية متميزة، لابد أن يكون متقناً لعمله وماهراً في مجاله ومجيداً لمهمته ومهنته، بحرفية وحصافة تامتين، وعليه أن يكون متمكناً من أدواته ومهاراته وعدته. وبرغم ذلك فإني كثيراً ما أقول بأن مهنة الإعلام موهبة وحس صحفي عال ومتفرد وليست مهنة إدارية أو رسمية. والصحفي غير الموهوب لا يملك حساً إعلامياً متخصصاً، لذلك فهو لا يجيد إدارة مهمته الإعلامية والصحفية بالحرفية والمهنية اللازمتين. الإعلامي لا ينجح إلا إذا كان متخصصاً ومبدعاً وموهوباً، وذا حرفية ودراية وإدراك وإبداع وتميز وانفراد وعطاء.. وعلى نحو مختلف ومميز دائماً.
وأعتقد أن وجود الإعلامي المتخصص ضرورة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فنحن الآن بحاجة إلى إعلام مبادر ومحصن، يدرك حجم المشكلة أياً كانت، ويلاحظ خطورتها، وبإمكانه الإسهام في معالجتها وفي محاولة منعها قبل أن تقع، ثم التعامل معها بعد وقوعها.. وكل ذلك بمهنية وحرفية وفطنة وحكمة.. حتى لا تستشري وتنتشر وتصبح آفة تصعب السيطرة عليها.

*كاتب سعودي