لقد كان استفزازاً حقيقياً للرأي العام ما صرح به محمود الزهار، القيادي في حركة «حماس»، عندما قال: 1- إن فلسطين ليس لها وجود على الخريطة. 2- إنها ليست سوى سواك يُنظف به المرء فاه بعد الأكل. 3- إن مشروعه أكبر منها.4- إن العودة إلى ما قبل حرب 67 يشعره بالتقيؤ. دعونا نبدأ بالنقطة الرابعة لنقول إن مثل هذه العنتريات الفارغة هي السبب الرئيس في هذا الفشل المتكرر، المرة تلو المرة، في ما يتعلق بقضيتنا الأولى: فلسطين، فمثل هذه العنتريات لن تعيد وطناً سليباً، ولن تهزم خصماً سياسياً. العودة إلى حدود ما قبل 67 تشعر «الزهار» بالتقيؤ، لكنها قد أصبحت مطلبنا الأخير بعد أن فاتنا خيار قبله، وما كان ليفوت لو أننا قبلنا باقتراح الرجل الذي حارب الفرنسيين طوال حياته، وأجلى آخر جندي فرنسي عن بلاده في 15 أكتوبر 1963، أعني الرئيس التونسي، الحبيب أبو رقيبة، الذي طالب بالموافقة على قرار التقسيم، الذي صدر في 1947، لأن هذا القرار كان قد أعطى للفلسطينيين مساحات أكبر بكثير من مجرد غزة والضفة الغربية. تلك العنتريات أمرها لا يقف عند هذا الحد من السوء، بل يزداد قبحاً عندما يوافق الزهار على رؤية الإسرائيليين أنفسهم، بأنه لا وجود لفلسطين على الخريطة. كيف ستطالب بوطن أنت توافق على أنه «غير موجود»؟!
فلسطين ليست إلا «سواك» بالنسبة للزهار، ما معنى هذه الجملة؟ يبدو لي أنه لم يختر الكلمة الصحيحة، بل كان يريد أن يقول إن فلسطين ليست سوى عود الأسنان الذي ينظف به الإنسان أسنانه بعد الأكل. إذا كانت فلسطين مجرد عود أسنان، فما هي الوجبة الرئيسة، إنها العالم العربي والإسلامي بل العالم كله. ثم يغضب الزهار ومن معه من «الحمساويين» عندما يعتبرهم العالم جماعة إرهابية!
الزهار وجماعته ليسوا مناضلين وطنيين يكافحون لاستعادة وطن، وإنما هم جماعة ضعيفة عسكرياً تعلن بأنها تريد احتلال العالم. لا عجب إذن أن توافقت «حماس» مع دولة الخميني، وأصبحت أداة لها ومبشراً بأيديولوجيتها في فلسطين، بالإضافة إلى جماعة رمضان شلح، اليد الأخرى لإيران هناك. الفكر واحد فقد أذابت الجماعة الأم «الإخوان» كل فرق بينهم وبين المشروع «الصفوي»، إذا كانت فلسطين مجرد عود أسنان، فالدول العربية كلها هي الوجبة الأولى الأساسية التي يهدف هؤلاء الضعفاء، عقلاً وجسداً، لابتلاعها. من هنا نفهم لماذا كانوا هم الوقود والنار، فيما يسمى بالثورات العربية التي اندلعت منذ 2011، فهم أناس يحملون فكراً أمميّاً ومشروعاً مستحيل النجاح ثابت الفشل عند أي مفكر واقعي. إنهم أناس صورت لهم عقولهم الضعيفة البعيدة كل البعد عن روح الواقعية السياسية، بأنهم يمكن- هكذا عقليات وضعف وتخلف- أن يحكموا العالم الحديث مثلما حكم عمر بن الخطاب جزءاً كبيراً من العالم القديم. الواقعية السياسية هي التي جعلت المناضل «مايكل كولينز» يستعيد جنوب إيرلندا، ويتخلى عن شمالها مرغماً، بعد سبعمائة سنة من احتلال الإنجليز لها.
«الزهار» و«حماس» ومن ورائهم «الإخوان» لن يحكموا عالماً حديثاً ولا قديماً، فهم الحزب الذي يخسر دائماً لسوء نواياه، ولو حكموا، فلا تتصوروا أنهم سيطبقون عدل عمر بن الخطاب، فقد رأيناهم وهم يتقاتلون على الفتات، ويشتم بعضهم بعضاً على القنوات الفضائية، لمجرد اختلاف بسيط في وجهات النظر، رغم اشتراكهم كلهم في ضعف البصر. حسناً، إذا كانت العقول ضعيفة والقدرة كذلك والرؤية مثلهما والنزاهة الإنسانية مفقودة كذلك، فكيف لنا أن نتوقع من هؤلاء أن يستعيدوا وطناً هم لا يعترفون بوجوده أصلاً؟! فلتهنأ إسرائيل بمثل هؤلاء الخصوم.
*كاتب سعودي