الرسالة الدائمة للنظام الإيراني حول استقرار أمن المنطقة هي: «إما أن ننجو معاً أو أن نغرق معاً، ونجرّ باقي العالم ليعاني من ويلات النزاع المسلّح في المنطقة»، ولا حاجة للإشارة إلى مدى الترابط بين دول العالم، عندما يتعلّق الأمر بمصالح كل دولة، والذي يضع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمام خيارات صعبة قبل الانتخابات، في ظل كونجرس يقف ضد تكلفة شنّ حرب جديدة، والتشكيك في المصلحة الأميركية المباشرة، التي ستجنيها البلاد من شنّها حرباً على إيران، وبالتالي تلّوح إيران بورقة تهديد أمام «ترامب» في وقت حرج، والتلميح بإمكانية إفشال مخططه للنجاحات التي يريد تحقيقها لضمان إعادة انتخابه، وعدم ترك خيار له سوى توجيه ضربات نوعيّة على غرار ما حدث لنظام الخميني من قبل الجانب الأميركي بين عاميّ 1986 و1988، وإذا حدث ذلك سيضع «ترامب» المنطقة كلها على حافة الهاوية، وخاصةً أن هناك غموضاً يلف ملف التسليح الإيراني السري، ومدى انتشار الخلايا التخريبية الإيرانية في مناطق استراتيجية متفرّقة في العالم بما في ذلك أميركا.
فهل يثني خنق الاقتصاد إيران عن طموحها النووي وتطوير صواريخها الباليستية، ويمنعها من التدخل في شؤون المنطقة، من خلال أذرعها العديدة والمتنوّعة؟! وما الهجوم على مطار «أبها» بالمملكة العربية السعودية والأراضي السعودية عن طريق جماعة «الحوثيين»، والتي تخضع إدارتها لأياد إيرانية، وضرب السفن التجارية وناقلات النفط والغاز والبتروكيماويات في حرب الممرات المائية الحيوية، وبالتالي التأثير على أسعار الطاقة وأسواق المال والأسهم، وقيمة صرف العملات النقدية وتعطيل الاستثمارات، وإبطاء الأسواق الناشئة إلّا عقوبة عكسية على الولايات المتحدة والعالم أجمع.
وكأن إيران في لعبة تفاوض! والذي بدأ فعلاً على يد العديد من الوساطات، وقد تمّ فتح حوار مفتوح من خلال وسطاء مثل اليابان وألمانيا وعُمان، وستدخل روسيا قريباً على خط التفاوض التصاعديّ، وخلط الأوراق مع تحييّد أوروبا من خلال أسعار الطاقة ومدى توفرها مقابل عدم المساس بالملف النووي وبرنامج الصواريخ البالستية، والتفاوض على تنازلات في بنود ضمن اتفاقيات سابقة تجعل ادعّاء تحقيق نجاح ملموس مقبول للناخبين في البلدين المتصارعين، ولن يخلي جعبة إيران من طموح التسليح بغرض الردع وتصدير الثروة، والمراهنة على استحالة المغامرة وتعريض خط سير ثلث إمدادات النفط في العالم للخطر المباشر!
و لا غرابة في تشكيك الإعلام الغربي في الهجمات والتطرّق إلى ادعاءات، مفادها أن الهدف من الاعتداءات لربما كان فقط توريط الجانب الإيراني والإيقاع به، والإشارة إلى أن الحادثة مريبة والاكتفاء بذلك، دون إدانة أية جهة بعينها لحين اكتمال التحقيقات. وما تصريح الأمين العام للأمم المتحدة وأمين الاتحاد الأوروبي حيال أهمية عدم حدوث أي صراعات مسلّحة في المنطقة، كما أن الردود المتراخية من المنظمات الأممّية، وتحذير روسيا من عدم استغلال الحادثة لرفع التوتر مع إيران ليست إلا أمثلة بسيطة عن  استراتيجية «حافة الهاوية» الإيرانية، ما يطرح تساؤلاً مؤداه: كيف تُحترم الملاحة في الخليج دون تأمين المياه الدولية في الخليج العربي وخليج عُمان؟
فما حدث في الخليج من هجوم على السفن في ذلك العمق، يشير إلى استخدام ضفادع بشرية متخصصّة، حيث ينم مكان وضع الألغام على أنه هجوم منسّق، وتعرّض إحدى الناقلتين لصاروخ طوربيد، كما أن مكان الضربة بالتحديد يدل على أنه هجوم نظامي، وليس حرب كرّ وفرّ تشنها ميليشيات مأجورة، وكان بهدف الترويع وإيقاع ضرّر بقدر كاف لإثارة الوضع العام في منطقة الخليج وليس قتل الطاقم.
والتباين والمفارقات في ردود الفعل والدعوة لضبط النفس والتأني لمعرفة من يقف خلف ما حدث يبدو كسيناريو من بعض الدوائر الغربية  لتحسين ظروف التفاوض لجميع الأطراف ما عدا الجهات الخليجية المتضرّرة، وخلق فوضى في الملاحة البحرية وتدفق الطاقة، وكل ما يتبع ذلك من سعر الشحن والتأمين وأسعار النفط، بما يبدو للوهلة الأولى أنه محاولة لعزل الدعم الإقليمي لأميركا، وليس استعراضاً للقوة والمقدرة الإيرانية على التأثير على الأمن الإقليمي، والضغوط من أجل التدخل السامي لحماية المصالح الدولية لكبار المستفيدين في أي نزاع يحدث بالمنطقة، والتفاوض من خلال سلاح التحكّم في سعر برميل النفط لجعل العقوبات الاقتصادية على إيران وكأنها لم تكن، وإعطاء إيران متنفّساً لكسب أكبر قدر من الإيرادات والشروع في صفقة أكبر، والضغط بالوكالة لإخضاع الجميع.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.