يعتبر، العالم الفيزيائي، والفيلسوف، والمفكر الفرنسي، بليز باسكال (1623-1662) من المؤثرين في التجربة الإنسانية، ومن أهم المساهمين في صياغة تجارب الحكمة والمعرفة.
مزج بين العلوم الطبيعية، والتأمل الفلسفي، مع تجربة دينية لافتة، فقد قرأ بعمق لمرشدين مسيحيين، مثل، سان سايران، وجانسيوس، وآنو، ما شكل تجربته التي كتب عنها، حتى اعتبر من متصوفة المسيحية.
ترعرع في بيت ثري، لأسرةٍ عرفت وحازت المناصب العليا، فجدّه مارتن باسكال، كان مستشاراً للملك، ووزيراً للخزانة، أما والده فكان رئيس محكمةٍ لقضاء الضرائب.
ثراء الأسرة، كان دافعاً للتميز العلمي منذ صغر باسكال، مما مكنه من البروز في تخصصاتٍ متعددة، مثل، الفيزياء، والرياضيات، والفلسفة، بالإضافة إلى التعمق الديني والبحث الروحي، وهو ما انعكس على أطروحاته التي تميزت بالإضافة إلى رصانتها العملية، بمزيد من الدقة والرشاقة.

أكثر كتبه تداولاً وتأثيراً:«خواطر-سمات في الفكر، والأسلوب، والخلقيات، والمعتقد». يقول «إدوارد البستاني»- مترجم العمل- في المقدمة: «خواطر باسكال التي جاء بها للدفاع عن الدين، عبارة عن نفثات علوية، خطها لنفسه، ليجعل منها نواة، لأضخم مصنف من نوعه، كان بالإمكان أن يكون، فأدركه مُطفئ الآمال ومُحطم المطامح، وإذ بتلك الفكرة العجيبة، نثار من الأوراق المبعثرة هنا وهناك، يتعهدها القوم جمعاً وتبويباً، وتنسيقاً ثم يتمثلونها بالطبع، فيقفون حيارى أمام غوامضها مذهولين أمام روائعها، لا يجرؤون على تبديلٍ وتحوير، مخافة أن يسيئوا إلى تلك العبقرية المخيفة، التي انبثقت منها تلك الالتماعات السماوية الخواطف، وما كانت إلا معالم خيرة، تشرف على عوالم لانهائية من الفكر المنطلق في رحائب المعرفة».

قسّم باسكال، كتابه، إلى أربعة عشر قسماً، هي: «خواطر عن الفكر والأسلوب-شقاء الإنسان بدون الإله- حتمية الرهان- وسائل الإيمان- العدل وعلة المعلولات- الفلاسفة- الخلقيات والمعتقد- أسس الديانة المسيحية- الديمومة-الرموز- النبوءات- الدلائل على المسيح- المعجزات- نُبذٌ في المناظرة».

والكتاب على تضمنه فقرات غامضة، وشذرات ملغزة، غير أنه مليء بالحكمة، وثري بخلاصات الحياة، ليست في الجوانب العلمية والفلسفية، فحسب، بل وفي المجالات الدنيوية، وشؤون الحياة اليومية.
وأنتخب هنا بعضاً من خواطره وأقواله اللامعة:
*إن الله في تدبيره ينظم الأمور برفق، فيضع الدين في العقل عن طريق التعليل وفي القلب عن طريق النعمة، ولكن من شاء أن يضع الدين في القلب والعقل بالقوة والتهديد فما وضع فيهما ديناً، بل إرهاباً.

*أن يشعر الإنسان بصغائر الأمور، وأن لا يشعر بكبائرها، ذلك دليل على اختلالٍ غريب.

*التقوى تختلف عن الوسواس، من انتهت به التقوى إلى الوسواس فقد هدم التقوى.

*أستطيع أن أتصور إنساناً بلا أيد، ولا أرجل، ولا رأس، ولكنني لا أستطيع أن أتصور الرجل ولا فكر له، فهو عندئذٍ حجر أو جماد.

*الأنهار دروب تسير، وتحملك إلى حيث شئت.

*لا يقولنّ قائل إنني لم أقل شيئاً جديداً: إن لفي ترتيب المواد جِدة، الكرة في لعبة الكرة واحدة بين لاعبين، ولكن أحدهما أحسن تسديداً لها من الآخر.

*الجمال الشعري، كما يُقال جمال شعري، يجب أن يُقال كذلك جمال هندسي، وجمال طبي، ولكنهم لا يقولون هذا، والسبب في ذلك أنهم يعرفون غرض الهندسة، وأنه عبارة عن براهين، ويعرفون غرض الطب، وأنه عبارة عن الشفاء، ولكنهم لا يعرفون ماهية اللذة التي هي غرض الشعر.

*أتريد أن يقول الناس فيك خيراً؟! لا تقله عن نفسك.

*أجدر الأعمال بالتقدير الأعمال الجليلة المستترة. وعندما أقع على بعضها في التاريخ، فلشد ما تعجبني، على أنها لم تكن مخفية تماماً لأنها عرفت، ولئن كانوا قد بذلوا المستطاع في سبيل إخفائها، لقد أفسد كل شيء هذا اليسير الذي بدت منه، لأن أجمل ما في الأمر أنهم أرادوا إخفاءها.
*لا شيء أطبق على العقل، من إنكار العقل.
هذا غيض من فيض خواطره، التي تناسب كل الأعمار، المتضمنة دروساً ثمينة، استقاها باسكال، من تراكم المعارف، وتجارب الحياة.
بقي أن أختم بمعلومة تفاجأن بها، فباسكال هو من اخترع الآلة الحاسبة!
*سفير المملكة في الإمارات