شكّل افتتاح مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري» في العاصمة الفرنسية باريس، في 19 يونيو الجاري، خطوة جديدة في مسار العلاقات الوطيدة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية، تلك العلاقات التي توطدت على مدى عقود من الزمن، بفضل التبادل التجاري والتعاون الثقافي والانسجام في وجهات النظر تجاه العديد من القضايا التي تهم البلدين.
فبعد التجربة الناجحة لافتتاح متحف اللوفر– أبوظبي في بداية شهر نوفمبر 2017، تأتي اليوم خطوة افتتاح مسرح الشيخ خليفة أبوابه أمام الجمهور في عاصمة النور بعد سنوات من أعمال الترميم والتجديد بتمويل من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، وهو ما جعل الحكومة الفرنسية تطلق عليه اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كنوع من التقدير والعرفان بمساهمة دولة الإمارات في إحياء هذا الصرح التاريخي العريق في بلد يعشق أهله الثقافة ويقدرونها.
لكن تقدير دولة الإمارات للثقافة وإدراكها لدورها في تعزيز العلاقات الإنسانية ونشر قيم التسامح، كان أحد الدوافع الرئيسية التي جعلت قيادتها تنخرط بشكل فعال في ترميم هذا المسرح المهمل منذ عقود، وذلك في إطار اتفاقية التعاون الثقافي التي تم توقيعها بين إمارة أبوظبي والحكومة الفرنسية في عام 2007، والتي تضمنت حينها إنشاء متحف اللوفر أبوظبي ومبادرات ثقافية دولية أخرى، كانعقاد المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر عام 2016 في أبوظبي، وتأسيس التحالف الدولي لحماية التراث الثقافي في مناطق النزاع «ألف»،
وقد اعتبر سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الذي حضر افتتاح المسرح رفقة وزير الثقافة الفرنسي، فرانك ريستر، والعديد من الشخصيات السامية من الإمارات وفرنسا، هذا الحدث تجسيداً حقيقياً للتعاون الوطيد بين المؤسسات الثقافية من أجل الحفاظ على التراث، ويترجم أيضاً عمق العلاقات الدبلوماسية التي تربط دولة الإمارات بأكثر من 187 دولة حول العالم نجحت خلالها في بناء منظومة متكاملة لمستقبل واعد.
كما أشاد سموه -في كلمته خلال حفل الافتتاح- بهذا الصرح العريق، الذي يعود اليوم إلى العالم بكامل ألقه وفنه بعد فترة إغلاق تجاوزت الـ 100 عام من مكونات التاريخ الفرنسي الذي يمثل جزءاً جميلاً وعريقاً من التاريخ الإنساني، والذي طالما عملت الإمارات على تقديره من خلال مشاريع مشتركة مع فرنسا، انطلاقاً من إيمانها العميق بدور الفنون في بناء الحضارات.
ويعتبر مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري» في باريس -الذي تم تصميمه على يد هيكتور ليفيول للعائلة للحاكمة بين عامي 1853 و1856- أحد روائع العمارة في عهد الإمبراطورية الفرنسية الثانية، لكن الإمبراطور نابليون الثالث لم يستخدمه سوى بضع مرات فقط، قبل أن يتم إغلاق أبوابه لما يزيد على قرن من الزمان.
وقد تم إدراج هذا المسرح التاريخي -الذي تعاقب على سكنه 34 ملكاً وإمبراطوراً فرنسياً- على لائحة مواقع التراث العالمي من طرف اليونسكو.
وتدخل خطوة دولة الإمارات في بعث الحياة الثقافية في هذا المسرح في إطار فلسفتها الرامية إلى خدمة الإرث الإنساني بشكل عام، وبما أن الثقافة تعد تجلياً للسلوك البشري الراقي عبر العصور، قررت دولة الإمارات أن تتكفل بترميم هذا المسرح الذي شهد، على مر تاريخه، الكثير من العروض التي جسدت خلاصة الفكر المستنير للعديد من مثقفي عصر الأنوار في فرنسا وأوروبا والعالم بشكل عام.
وقد أرادت دولة الإمارات من خلال هذه الجهود وغيرها أن توجه رسالة واضحة إلى العالم، مفادها، أن الثقافة هي جوهر الفكر، والفكر المستنير هو عماد التسامح وقبول الآخر.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.