ربما تكون محض مصادفة أن يعلن الرئيس دونالد ترامب أنه سيطلق قوته لترحيل المهاجرين قبل ساعات فحسب من الموعد المحدد لإطلاق حملته لإعادة انتخابه في اجتماع حاشد في فلوريدا. لكن سواء أكانت هذه مصادفة أم لا، فترامب ينظر دون شك إلى إعلانه باعتباره استعراضاً للقوة السياسية المرهوبة. ويعتزم ترامب خوض انتخابات 2020 على أساس فكرة أنه يمثل القانون والنظام على حدودنا الجنوبية، بينما يصور الديمقراطيين باعتبارهم ضعفاء يؤيدون الحدود المفتوحة. فلا طريقة أفضل لإضفاء طابع درامي على هذا التباين غير تدشين عمليات ترحيل واستعراض حزم ترامب ودفع الديمقراطيين إلى التشدق بمخاوفهم الهشة المتحذلقة والنخبوية بشأن حقوق الإنسان.
لكن أحدث تهديدات ترامب تُفهم بشكل أفضل باعتبارها تجلياً لضعف سياسي يضرب بجذوره في الصعوبات التي أفشلت قضية الهجرة كقضية محورية بالنسبة له. وكتب ترامب على «تويتر»، الاثنين الماضي، يقول إنه بعد أيام قليلة ستبدأ مصلحة الجمارك والهجرة في إزالة «ملايين الغرباء غير الشرعيين الذين وجدوا وسيلة غير قانونية للوصول إلى الولايات المتحدة». وهذه إشارة واضحة لخطة القيام بعملية خاطفة لاعتقال آلاف الآباء والأطفال، الخطة التي أُرجئت وسط مخاوف بشأن جدواها وأثرها السياسي العكسي نتيجة انتشار صور لعمليات الاعتقال الوحشية للأطفال. وغرد ترامب ليعلن أن الخطة سيجري تطبيقها من جديد، قائلا: «ستجري إزالتهم بمجرد وصولهم».
لكن «واشنطن بوست» رصدت في تقرير مهم الحقائق والسياقات التي تثير شكوكاً كبيرة بشأن حوافز وتوقيت هذا «الإعلان». فقد باغت إعلان ترامب مسؤولي مصلحة الجمارك والهجرة. كما أن عمليات الاعتقال الجماعية ليست وشيكة ولن تحدث على الفور، رغم احتمال وقوعها قريباً. ولم يتضح أيضاً ما إذا كانت المصلحة لديها الموارد البشرية اللازمة للقيام بتدشين كامل لمثل هذه القوة الضاربة.
المهم هنا أن هذا التهديد ينطوي فعلاً على مجموعة من الأفكار السياسية. فطالبو اللجوء السياسي يحركهم تصور أنه إذا استطاعوا دخول نظام اللجوء، فبوسعهم استغلال تكدس العمل في المحاكم والاختفاء داخل البلاد دون الظهور أمام الجلسات والبقاء في البلاد بشكل غير قانوني حتى بعد صدور أمر بترحيلهم. والإعلان عن اعتقال الأسر بشكل درامي ينقل رسالة مفادها أن الاعتقال ينتظرهم إذا قاموا بالمحاولة.
وأعتقد أن جهود الإدارة في ردع الأسر الطالبة لحق اللجوء من خلال استعراض الحزم والقوة، فشلت بشكل كبير، وتهديد ترامب بتدشين عملية الترحيل يظهر لنا أن قضيته المحورية تسير باتجاه الفشل. فكل تهديد أو عمل من أعمال الشدة يفشل في تحقيق النتيجة المرغوبة ثم لا يعقبه إلا تهديد آخر أو عمل من أعمال الشدة يبالغ فيه ترامب وأنصاره باعتباره عملاً قوياً أو فعالاً. ولهذا يرجح أن المقصود بتهديد ترامب بتنفيذ اعتقالات جماعية هو أن صور الاعتقالات الجماعية للأسر ستجتذب على الأقل بعض مؤيديه.
وتأكَّدَ مراراً أن ترامب حساس بشكل استثنائي تجاه تصاعد عمليات عبور الحدود التي يعتبرها معياراً للحكم على رئاسته. واستجابة ترامب في مثل هذه اللحظات تتمثل في نوع ما بالتهديد باتخاذ إجراء. فقد أعلن أنه سيغلق الحدود تماماً لكنه تراجع، أو سيغرق المقاطعات الديمقراطية بالمهاجرين، وهو ما لم يحدث قط، أو سيفرض ضرائب على المكسيك، لكن أحداً لا يعرف إذا ما كان التهديد قد دفع المكسيك للموافقة على أي شيء جديد أو تأثير هذا التهديد.
ولم يتضح ما إذا كان ترامب يعترف بأي أثر سياسي سلبي لسياسته في الهجرة والقضايا المتعلقة بالحدود. وهو يرفض فيما يبدو قبول أنه ساعد الديمقراطيين على الفوز بأغلبية كبيرة في سباقات مجلس النواب عام 2018. وهو متأكد فيما يبدو، في الجانب العلني على الأقل، أن عام 2020 سيحفز بؤرة مؤيديه بدرجة كافية تضمن له الأغلبية في المجمع الانتخابي بسبب العدد غير المتناسب من البيض أصحاب الياقات الزرقاء في حزام الصدأ. لكن كل هذا يتناقض مع حقيقة أن حملة ترامب تقيل عدداً من القائمين باستطلاعات الرأي، لأن البيانات الداخلية المسربة تكشف عن احتمالات قوية بشأن خسارة ترامب محاولة إعادة انتخابه، بما في ذلك خسارته في حزام الصدأ. والتهديد بالاعتقالات الجماعية يؤكد أكثر من أي شيء آخر على استراتيجية فاشلة في حد ذاتها.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»