أيكون ترامب اليوم في مآزق وخيارات أحلاهما مر! أتكون مصداقيته كمصداقيات سلفه أوباما مهددة ليس إزاء أعدائه فحسب، بل إزاء حلفائه! فها هو أخيراً لا آخراً يتردد، وسبق أن تردد في الرد على انتهاكات إيران في الخليج وعلى إسقاطها طائرة «درون» الأميركية في الأجواء الدولية. هدد كثيراً وأرسل البوارج وحاملات الطائرات والأسلحة المتطورة ثم أضاف في الأيام الأخيرة عديد الجنود إلى المنطقة. «لن نضرب إيران إلا إذا تعرضت لمصالحنا المباشرة ولحلفائنا». فحلفاؤه يتصدون يومياً لهجمات «الحوثيين» ويتعرضون لتعطيل الملاحة البحرية للنفط، وضربت إيران ضربتها في خليج عُمان ومضيق هرمز، ولم يبدْ ترامب أي رد فعل حقيقي، وكأن إسقاط الطائرة الأميركية كاد يكون الذريعة لتقرن أميركا تهديداتها بالتنفيذ. ثم فجأة وبعد تردد ألغى ترامب قرار ثلاث عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية، والسبب استيقاظ المشاعر الإنسانية في ضميره باحتمال سقوط 150 قتيلاً.
فهل اجتازت إيران الامتحانات التدريجية والتصاعدية لترامب فعطلت كل تهديداته، وتحول كما بثت وسائل إعلامية عديدة أنه بات «نمراً من ورق»؟ هل يعني ذلك أن إيران ستستغل لحظات «الضعف الإنسانية» التي برر فيها ترامب إلغاءه العملية العسكرية؟ هل ستضاعف اعتداءاتها المعهودة والمبرمجة على الممرات البحرية ودول الخليج بعدما اقتنعت إيران بأن الطريق باتت مفتوحة لها على مصراعيها!
يبدو في المحصلة كأن ترامب «يتأوبم» أي يقع في ما وقع فيه أوباما: وضع خطوطاً حمر لاستخدام الكيماوي في سوريا وهدد بالرد. لكن امتحن أوباما وعندما تجدد الضرب بالكيماوي تراجع و«لحس» موقفه «لحساً»، وأتاح ذلك حرية مطلقة لجرائم الأسد وإيران وتدخل روسيا ليس في سوريا فقط، بل في أمكنة أخرى.
شعار «لا أميركا تريد الحرب ولا إيران» فُرّغ من مضمونه لأن إيران تحارب لكن لا تواجه مواجهة مباشرة، بل عبر عملائها وميليشياتها المنتشرة في العراق واليمن وسوريا ولبنان. فالذكريات الأليمة لهزيمتها أمام صدام حسين ما زالت شاخصة أمامها. وعليها إذاً أن تضع تكتيكات مواربة لا تعطي أسباباً كاملة لا لأميركا ولا لسواها لترد عليها بضربات مباشرة أو بحرب شاملة. أما الولايات المتحدة فهي دولة، ولأنها كذلك فترامب يواجه داخلها خصومات واختلافات سياسية وحزبية: وهكذا حوصر أخيراً بعدما أعلنت وسائل إعلام عديدة عليه حرباً شعواء وحملته مسؤولية ما آلت إليه الأمور، ثم هناك انتخابات رئاسية بدأ يخوض ترامب حملاتها الشعبية والدعائية، مما يجعله في مآزق شعبية ومعارضة لأنه سبق أن وعد شعبه بعدم الانخراط في الحروب، لأن الشعب الأميركي حالاً لا يريد الحروب، فذكريات فيتنام ما زالت ماثلة أمامه. إلى ذلك فحلفاؤه الأوروبيون والأطلسيون من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وتبعاً لحسابتهم ومصالحهم ضاعفوا الضغوط لتجنب المواجهة واعتماد الحوار. أي باتوا وسطاء أكثر مما هم حلفاء.
إيران وضعت كل هذه الأمور في حساباتها وعملت على أساسها: ترامب عاجز في الظروف الراهنة على الحرب فاستفحلت في عدوانها على دول الخليج وناقلات النفط. فالملالي باعتبارهم صنعوا في دولة يحكمها مرشد حكماً مطلقاً (لا شأن للشعب بذلك) باتوا طليقي الأيدي أو هكذا يظنون، وانتقلوا من دور الدفاع إلى دور الهجوم: لا تفاوض بالشروط الأميركية لكن بشروطنا: إلغاء العقوبات الاقتصادية والعودة إلى الاتفاق النووي الأوبامي. على الرغم من كل عناصر اللاتوازن العسكري والمادي والتكنولوجي والاقتصادي بين أميركا وإيران.
لكن ما زال السؤال قائماً هل تخطئ إيران وتعطي ترامب ذريعة مدوية للرد عليها كما حصل عندما دخلت أميركا الحرب العالمية الثانية بعد الهجوم الياباني الشهير على جنودها. لكن السؤال الآخر الأكبر: هل هناك حرب أم لا حرب؟
*كاتب لبناني