بالأمس قرأ الجميع الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام عن تعازي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لأسرة معلمه الأستاذ جاسم إبراهيم بو شعر، والذي درّس الشيخ محمد مادة اللغة العربية عام 1971 عندما كان الشيخ محمد بن زايد في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة الكندي الابتدائية بأبوظبي، هذه اللفتة الطيبة والتي حرصت الصحافة المحلية أن تفردها كأول خبر في الصفحة الأولى، لمست الوجدان، لما لها من دروسٍ وعبر، وما تحمله في طياتها من مبادئ وقيم، فتناقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة، ولقيت اهتماماً من فئات المجتمع.
نفهم من هذه الرسالة بأن المعلم له مكانة عالية في المجتمع، والقيادة الرشيدة في بلادنا هي أول من يثمّن دور المعلم، ويقدر تضحياته، فالمعلم هو من ينير الطريق لتلاميذه لكي يصلوا إلى أرفع المراتب العلمية، وهو أساس الحضارات، ذكريات أيام الطفولة ستبقى محفورة في الذاكرة، ويأخذ المعلم منها مساحة كبيرة، مواقف حياتية كثيرة تجعلنا نسترجع تلك الذكريات، وندعو لمن أمضوا حياتهم في تعليمنا، وتوجيهنا بأن يتولاهم الله برحمته.
سأنقلكم إلى أبوظبي عام 1968 حينما وصل إليها الأستاذ جاسم إبراهيم بو شعر «رحمه الله» ضمن أول بعثة تعليمية، ففي هذا العام كان الشيخ زايد قد صادق على خطة أبوظبي الخمسية والتي لم تعرف المنطقة في تلك الفترة مثيلاً لها، كانت خطة طموحة للارتقاء بأبوظبي من شتى النواحي، وكان للتعليم النصيب الأكبر في هذه الخطة التطويرية، آنذاك، وصلت ميزانية التعليم فيها إلى أكثر من 12 مليون دينار وزعت على السنوات الخمس لهذه الخطة المباركة، فكان منها لبناء المدارس الحديثة، واستقطاب المعلمين والمعلمات، والمناهج الدراسية، وتوفير المستلزمات الدراسية للطلبة بالمجان، ومنذ هذا العام سمعت المنطقة بما يسمى «بمكافأة الحاكم» وهي المنح المالية الشهرية التي كانت تقدم للتلاميذ والتلميذات في المدارس التابعة لإمارة أبوظبي بأمر من الشيخ زايد طيب الله ثراه، وفي هذا العام عين الدكتور خالد الهاشمي كأول مدير عربي للتعليم، وشهد العام افتتاح أول مدرسة للبنات في العين، كما أمر الشيخ زايد بتحويل الميزانية الخاصة باحتفالات البلاد بيوم الجلوس الثاني لسموه إلى صندوق لدعم تعليم الطلبة الجامعيين.
الأستاذ جاسم بو شعر «رحمه الله» الذي ولد في عام 1943، وتخرج لاحقاً من معهد المعلمين، واكب الإنجازات التي تحققت هنا في أبوظبي، وشهد التطور الكبير في النواحي الثقافية، والاقتصادية، والتعليمية، وكان أبرزها الانتقال إلى المدارس الجديدة التي أنشئت بتوجيهات الشيخ زايد في شتى نواحي البلاد،
ومن الذكريات الجميلة لمدرسة الكندي الابتدائية في أبوظبي أنه في نهاية عام 1971 أقيم فيها أول معرض لمدارس أبوظبي، وحضر الاحتفالية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كان الأستاذ جاسم بو شعر أحد أعضاء الهيئة التدريسية بها، وقد ألقى الشيخ محمد بن زايد والذي لم يتجاوز العاشرة من عمره كلمة أمام الوالد الكبير قال فيها: (سيدي الوالد، يسعدنا جداً أن تشرفنا في افتتاح هذا المعرض، وباسم إخواني التلاميذ جميعاً، نقدم لكم خالص شكرنا، على ما تمنحوننا من اهتمام ورعاية، ونعدكم صادقين بأن نكون لكم الأبناء البررة، وللوطن الجنود الأوفياء، عشتم وعاش الوطن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

مراد عبدالله البلوشي
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية