ليس من الوجاهة، أن يُستهل المقال بالأرقام، رغم أنها تجعل الحقائق موثوقة أكثر، لكن أهمية الحدث أحياناً تقتضي الخروج على القاعدة باستثناء مقبول. إن العالم، اليوم، أمام حدث هو الأهم في التاريخ البشري، وعدّهُ كثيرون ثورة القرن الحادي والعشرين، على أساس أن الثورة غالباً ما تكون نتيجة لسلسلة تطورات كميّة. فما هذا الحدث الأهم؟ إنه الجيل الخامس من الاتصالات أو ما اصطلح على تسميته الـ(5جي)، والذي إنْ امتلكته دولة من الدول واحتكرته، فإنها ستسيطر على 40 في المئة من اقتصاد العالم، والمقدّر بـ12 تريليون دولار أميركي. وقبل أن نتعرّف على النظام، نطرح سؤالاً استباقياً: هل الصراع الحاد القائم بين أميركا والصين سببه هذا النظام؟ أم أن الصراع بين (التفاحة والوردة) التي ترمزان إلى شركتي (آبل وهواوي) له أسباب أخرى؟ نعم، الصراع بين الدولتين سببه هذا النظام كونه إحدى البوابات الاقتصادية الكبرى. وهل غير الاقتصاد ثمة ما يذكي الصراعات بين أمم الأرض؟ لكن كيف بمقدور نظام اتصالات كـ(الجي 5) أن يؤجج صراعاً حاداً بين أقوى اقتصادين عالميين لدولتين، هما فعلياً قوتان عُظميتان؟ لأن نظام الاتصالات الجديد (5جي) هذا لا يشبهه أي نظام اتصالات سابق عليه ك(الجي 4 و3) وما قبلهما، ولن يشبهه شيء في المستقبل الذي سيقوم اعتماداً عليه. وهذا النظام سيحدث ثورة في عالم الصناعة، صناعة السيارات والطائرات والأجهزة الطبية والمنزلية وكل أنواع الصناعات الأخرى، فالسيارة ذاتية القيادة ستحل مكان السيارة العادية، والثلاجة العادية سيُرمى بها في أقرب حاوية للنفايات واستبدالها بالذكية، وإشارات المرور الحالية لن تراها بعد اليوم واقفة على جانبي الطريق. كل شيء سيتغيّر في الصناعات، معاييرها وتقنيتها، لتتماشى مع الحياة الجديدة الذكية بالكامل. فمنذ الجيل الأول للاتصالات وحتى الجيل الرابع الذي يعرفه الجميع، لم تتجاوز استخدامات البشر، إذ اقتصرت على الإنسان فقط، أما في نظام الجيل الخامس فالذكاء الاصطناعي سينتقل إلى الآلة، التي ستعلن عن بدء عصرها في عام 2020م. بمعنى، أن الذكاء سيتعدى الإنسان إلى (الجمادات) التي ستتفاهم مع بعضها بعضاً وتتفاعل فيما بينها، فستخبرك ثلاجتك الذكية أن الفاكهة التي تحبها أوشكت على النفاد، وستسلك بك سيارتك الذكية طريقاً لم تعتد عليه، لأنها تعرف أنه أقل زحاماً وأكثر أماناً، وستفتح أمامك إشارة المرور الحمراء حتى لو لم يحن دورك، لأنها تفاهمت مع بقية الإشارات، وأبلغتها أن لا سيارات تنتظر في الطريق المقابل، وسيُفتح باب منزلك ويرحب بك فور إيقاف سيارتك أمامه. الحضور الكثيف والمتواصل لمصطلح (5جي) في حياتنا اليومية، هو انعكاس لحقيقة مفادها: أن (ما كان يطبخ على نار هادئة، أصبح الآن يغلي في مرجل فائق الحرارة). فالعام المقبل 2020 سيكون نقطة التحول نحو العصر الجديد، حيث سيبلغ عدد الأجهزة المرتبطة بالإنترنت 20.8 مليار جهاز. وقد يسأل سائل: وماذا عن المخاطر الصحية بالخصوص؟ هنالك تحديات ومخاطر ولا أحد ينكرها، سمعت ذلك من الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات، التي أكدت (المواجهة والمواكبة عبر استراتيجيات مسبقة)، وهذا يفرق عن الاستسلام لذعر سابق لأوانه كنتيجة لأخطار غير مؤكدة.
*إعلامي وكاتب صحفي