تشهد مدينة جنيف السويسرية، اليوم وغداً، فعاليات المنتدى العالمي الثاني لمكافحة إدمان المشروبات الكحولية، والمخدرات، وباقي السلوكيات الإدمانية، والذي سيهدف إلى دعم وتحفيز الإجراءات والتدابير الساعية لتخفيف العبء المرضي العالمي المصاحب لهذه القضايا الصحية، من خلال تفعيل التعاون والشراكات بين الجهات الرسمية والمؤسسات والمنظمات العاملة في مجال الصحة العامة، والفاعلة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
ويأتي هذا المنتدى في أعقاب النجاح الذي حققه منتدى عام 2017، وليحمل في طياته رؤية تعتمد على توفير المعطيات اللازمة، وتفعيل النشاطات الدولية الرامية لخفض الكلفة الصحية والاجتماعية للمخدرات، والكحوليات، وباقي السلوكيات الإدمانية، على خلفية وضع صحي دولي متسارع التغير، في عالم يتميز بزيادة النزعة التجارية الاستهلاكية، ورغبة دولية عارمة في مكافحة التبعات الصحية السلبية المترافقة بتلك القضايا الصحية الملحة.
ويمكن إدراك حجم كلفة وعبء استخدام المخدرات، من البيانات والإحصاءات التي تظهر أن 275 مليون شخص يستخدمون حالياً نوعاً أو آخر من أنواع المواد المعروفة بالمؤثرات العقلية، مثل الحشيش، والأمفيتامين، والأفيون ومشتقاته، والكوكايين، وهو ما يعني أن 5.6 في المئة من الجنس البشري يحيون حالياً تحت تأثير هذه المواد، وخصوصاً الحشيش والذي يقدر عدد مستخدميه بأكثر من 190 مليوناً. ومن بين جميع مستخدمي المؤثرات العقلية، يعاني أكثر من 30 مليون شخص منهم من اضطرابات واعتلالات ترتبط باستخدامهم للمؤثرات العقلية. ومما يزيد الطين بلة، أن من بين 11 مليون مدمن يستخدمون المخدرات عن طريق الحقن، أصيب 1.3 مليون منهم بفيروس مرض نقص المناعة المكتسب أو الأيدز، و5.5 مليون آخرين بفيروس التهاب الكبد (سي)، بالإضافة إلى مليون آخرين مصابين بالفيروسين معاً.
وإذا خصصنا بالحديث هنا مشتقات الأفيون فقط، وفي دولة واحدة هي الولايات المتحدة، فيكفي أن نسترجع إعلان الرئيس الأميركي الحالي، من خلال مؤتمر صحفي في منتصف شهر أغسطس الماضي، بأن إدمان مسكنات الآلام ومشتقات أو شبيهات الأفيون قد أصبح طارئاً صحياً وطنياً، لدرجة أن هذه المشكلة الصحية الاجتماعية أصبحت تُصنف على أنها خطر على الأمن القومي الأميركي. وجاء هذا الإعلان على خلفية أن 90 أميركياً يلقون حتفهم يومياً نتيجة تناول جرعة زائدة من مشتقات الأفيون، ضمن 142 أميركياً يلقون حتفهم يومياً بسبب المخدرات بمختلف أنواعها. وبناء على هذه الوفيات اليومية، يلقى أكثر من 42 ألف أميركي حتفهم بسبب الجرعة الزائدة من مسكنات الآلام ومشتقات الأفيون، سنوياً.
وإذا انتقلنا للحديث عن المشروبات الكحولية، فيقدر أن متوسط استهلاك جميع أفراد الجنس البشري، بلغ 6.2 لتر من (الكحول الخالص) سنوياً. وبما أن أقل من النصف فقط من أفراد الجنس البشري يشربون الكحوليات، وبالتحديد 38 في المئة أي2.7 مليار، يصبح الاستهلاك السنوي للفرد الواحد من بين مستهلكي الكحوليات هو 17 لتراً من الكحول الخالص. وإذا افترضنا أن متوسط الكحول الخالص في الخمور بأنواعها المختلفة، هو 10 في المئة مثلًا، فلكي يحصل الشخص على السبعة عشر لتراً تلك من الكحول الخالص، فيجب أن يشرب 170 لتراً من المشروبات الكحولية، خلال العام الواحد. ويمكن إدراك تبعات تناول هذه الكميات من الدراسات التي تظهر أن التبعات الصحية الناتجة عن تعاطي المشروبات الكحولية تؤدي إلى وفاة 3.3 مليون شخص سنوياً.
ولن يتسع المقام هنا لاستعراض جميع أنواع السلوكيات الإدمانية الأخرى، ولذا سنكتفي باستعراض ما أصبح يعرف بالإدمان الرقمي (Digital Addiction)، والذي يتضمن مثلاً إدمان استخدام الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، مما أدى لظهور تخصص طبي، يهتم العاملون فيه، بتشخيص وعلاج المدمنين الرقميين. كما قامت منظمة الصحة العالمية، مؤخراً، بإدراج إدمان الألعاب الرقمية ضمن الطبعة الحادية عشرة من التصنيف الدولي للأمراض، وهو ما من شأنه أن يساعد على إنشاء ودعم وتمويل خدمات رعاية صحية متخصصة تتعامل بشكل مهني مع هذه القضية، بناء على أن الاعتراف العلمي بهذا الاضطراب، يجعل الجميع يأخذه على مأخذ الجد. وتصف مسودة التصنيف هذا الاضطراب على أنه نمط دائم أو متكرر من السلوك المفرط في ممارسة هذه النوعية من الألعاب، يبلغ من الحدة درجة طغيانه التام على الاهتمامات والأنشطة الأخرى. ويأتي هذا الإجراء، من قبل المنظمة الدولية، على خلفية قيام بعض الدول باعتبار الإفراط في ممارسة الألعاب الرقمية، قضية صحة عامة، بالغة الأهمية.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية