تعد المؤامرة اتفاقاً سرياً بين أطراف معينة، لخرق القانون والانقلاب عليه، ولتنفيذ مآرب مصالح ومآرب ليست من حقهم، إيذاناً بارتكاب الجريمة على يد مقترفها، أو بتنفيذ فعل ضد مجموعات أو دول.. لتغيير النظام السائد وقلب الكيان القائم، لصالح المجموعة التي تقوم بالانقلاب، بحجة الإصلاح والتغيير نحو الأفضل، أي الشماعة المستخدمة منذ بدء الخليقة وإلى اليوم. ولا يوجد رقم محدد لعدد الأعضاء أو الأطراف المشاركة في المؤامرة المدبرة، كما لا يوجد شرط محدد للبدء في المكيدة وتنفيذ الضغينة، تجسيداً للمؤامرة المرتكبة ضد الطرف الآخر، أو لتحديد اللحظة الحاسمة في مسار المؤامرة وإتمام فعل المتآمرين، أي الانقضاض على الفريسة. وقد ارتبطت المؤامرة بالعمل السياسي والأهداف السياسية، لأن السياسة فن الممكن وصراع القوى.
وما أكثر المؤامرات والمتآمرون اليوم في العالم العربي الجريح، والذي أصبح مثل «يوسف» وإخوته المنتقمين منه!
وقد تكاثرت المؤامرات المتكررة، وأفعال النهش في الجسد العربي، والطعن فيه من الخلف، لكي لا يتعافى ولا يلتحق بركب الحضارات والتطور والتنمية.
ورغم ظهور مصطلح جديد اسمه «نظرية المؤامرة»، فثمة كثير من المفكرين والمثقفين يحذروننا دائماً من الوقوع فيها بالقول: «استبعدوا نظرية المؤامرة من تفكيركم، وإلا فأنتم فاشلون وعاجزون عن التطور والتميز والإبداع والعطاء والتفرد.. والقول بوجود المؤامرة ليس إلا تبريراً لفشلكم»!
لكن كلما استبعدنا فكرة المؤامرة وجدناها تحوم حولنا وبين ظهرانينا.. تنهش الجسد العربي المنهك أصلاً جراء المؤامرات وأعمال الغدر والخيانة.. هكذا الحال منذ قيام الحرب العالمية الأولى والثانية وما بعدهما.
لكن المؤامرة أصبحت الآن حقيقة ثابتة وواقعاً قائماً لا مفر منه، مثل البكتيريا التي لا تعيش إلا على جرح نازف ومتقيح لكي تقضي على صاحبه! وهذا أيضاً هو حال بلادنا العربية اليوم. وللأسف الشديد، فإنه في غياب المشروع العربي القادر على صد المؤامرات، يصعب استبعاد نظرية المؤامرة من قاموس السياسة والإعلام، إذ نجدها تحاك ضدنا بشكل واضح يدركه الجميع. أليس اتفاق «سايس -بيكو» مؤامرةً، ومشروع الإمبراطورية العثمانية مؤامرةً، ومشروع الإمبراطورية الفارسية مؤامرة، ومشروع الصهيونية العالمية مؤامرةً، ومشروع الصفوية الفارسية التوسعية مؤامرةً، ومشروع الماسونية العالمية مؤامرةً، ومشروع «القاعدة» مؤامرةً، ومشروع «داعش» وأخواتها مؤامرةً، ومشروع غزو واحتلال الكويت مؤامرةً، ومشروع غزو واحتلال العراق مؤامرةً، ومشروع تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ مؤامرةً، ومشروع «الشرق الأوسط الجديد» مؤامرةً، ومشروع ميليشيات الحوثي مؤامرةً، والمشروع الطائفي الجديد مؤامرةً، والمشروع المذهبي العنصري والعرقي والإثني والمناطقي مؤامرةً، وانخفاض أسعار النفط مؤامرةً، وضرب السفن النفطية في مياه الخليج العربي مؤامرةً، واحتلال الجزر الإماراتية الثلاث مؤامرةً، وإشاعة «الفوضى الخلّاقة» مؤامرةً، وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي على حساب الهوية الوطنية مؤامرةً، وأزمة القيم الأخلاقية اليوم مؤامرة..؟ أو ليس نسيان وتناسي نظرية المؤامرة ذاتها، والتي عشعشت وتعشعش في عقولنا الحائرة، ونهشت وتنهش أجسادنا الممزقة بالطعنات الكثيرة من الخلف.. أليس ذلك أيضاً مؤامرة؟!

* كاتب سعودي
 

 

  •   
  •   
  •   
  •