في الأيام القليلة الماضية قامت إيران بتصعيد مواقفها الساخنة واللفظية تجاه الولايات المتحدة الأميركية رداً على زيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. في سياق المواقف الساخنة قامت إيران بمهاجمة أربع سفن قبالة السواحل الشرقية لدولة الإمارات، ثم سفينتين في بحر عُمان قريباً من الأراضي الإيرانية، وزادت الطين بلّة بإسقاط طائرة استطلاع أميركية فوق المياه الدولية لمضيق هرمز وبحر عُمان.
هذه الأعمال الإرهابية تمت لاستفزاز الولايات المتحدة ودفعها فيما يبدو باتجاه شن الحرب على إيران لتحقيق أهداف استراتيجية لطهران، ونهايات تريدها هذه الأخيرة بغرض إغلاق مضيق هرمز ووقف صادرات النفط من جميع دول الخليج العربي، لكي ترتفع أسعاره في السوق العالمية، ولإحراج الرئيس ترامب ووضعه في مأزق شديد قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2019، إلى جانب الرغبة في الإضرار باقتصادات جميع دول العالم، خاصة دول الخليج العربي انتقاماً لما يحدث للاقتصاد الإيراني المنهار.
هذا النمط من الاستفزازات الساخنة الصارخة تنم عن غباء سياسي واستراتيجي يخيم على عقول متخذي القرار من المتشددين اللاعقلانيين في هذا البلد الذي يتخبط قادته على صعيد جميع قراراتهم، سواء المتعلقة بشؤون إيران الداخلية أو الخارجية منذ اندلاع الثورة الخمينية فيها. لقد فات على متخذي قرار ممارسة الإرهاب على مياه إقليم الخليج العربي وفي بحر عُمان من أجل استفزاز الولايات المتحدة بأن الطرف المقابل المراد استفزازه وحلفاءه في المنطقة وخارجها، ليسوا من السذاجة والغباء للقيام بأعمال لا يريدونها، وترغب فيها إيران خدمة لمصالحها، فمن هو الذي لا يدرك بأن نشوب حرب شاملة على مياه الخليج العربي، وضرب إيران عسكرياً، سيلحق الضرر بأمن الخليج العربي وبأسعار النفط وتدفقاته وبمصالح المجتمع الدولي الاقتصادية والتجارية وبالكثير من الجوانب السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والتجارية للعالم أجمع؟ فإذا كان متخذ القرار الإيراني لا يعي ذلك فإن تلك مصيبة، وإذا كان يدرك ويتعامى فإن المصيبة أعظم.
إيران من الناحية العسكرية ليس لها طاقة أو قدرة على مواجهة الولايات المتحدة منفردة، فما بالك لو قامت الأخيرة بحشد حلفائها الأوروبيين والعرب والآسيويين لكي تشن حرباً شاملة على طهران. ما أعتقده أن الإيرانيين يدركون ذلك، لكنهم يقومون بمناوراتهم واستفزازاتهم الحالية في محاولة لجعل الولايات المتحدة تقلل من شدة العقوبات المفروضة عليها حالياً. لقد انطلقوا في مغامراتهم هذه بعد أن درسوا شخصية الرئيس الأميركي الحالي وسيكولوجيته، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أنه لا يرغب في دخول حرب جديدة في الخليج العربي، لكن هذه ليست بالنتيجة أو الخلاصة الصائبة على إطلاقها، فالقرار السياسي في الولايات المتحدة هو قرار مؤسسات ينطلق من المصالح العليا للبلاد وليس من رأس الرئيس وحده.
إن الدليل على ذلك هو ما قاله الرئيس ترامب بأنه قد أمر بتوجيه ثلاث ضربات لثلاثة مواقع عسكرية منتقاة في العمق الإيراني لكنه أوقفها قبل عشر دقائق فقط من موعد التنفيذ بعد أن التقى بعدد كبير من مستشاريه من كافة مواقع ومؤسسات اتخاذ القرار في الدولة الأميركية. والواقع هو أن الولايات المتحدة ليست عاجزة عن معاقبة إيران على أفعالها المضرة بمصالح واشنطن في المنطقة، لكن يبدو بأن الرئيس ترامب غير راغب في ذلك حالياً أو مستعجل في أمره لأسباب انتخابية قادمة في نوفمبر للفوز بولاية رئاسية ثانية، ثم بعد الانتخابات لكل حادث حديث، إلى درجة أنه تطوع من ذات نفسه لإيجاد مبررات للإيرانيين لقيامهم بإسقاط الدرون، بالقول بأنها غير مأهولة أو أسقطت بالخطأ، وبأن الحكومة غاضبة من القائد الذي أصدر أمر الإسقاط، إلى غير ذلك من مبررات.. وللحديث صلة.
* كاتب إماراتي