التعريف الضبابي للإرهاب، وعدم تصنيف كل فئة إرهابية وكيفية إرهابها، من أكثر الأسباب التي تدعو إلى استمرار الحرب على الإرهاب. فالإرهاب يكون جسدياً كما تقوم به الجماعات القتالية مثل «داعش» و«القاعدة» عبر دمويتها، وممكن أن يكون أيديولوجياً كما هو في جماعات دعاة الإسلام السياسي. أهم ما تدعو إليه تلك الجماعات هو عدم اعترافها بالدولة الوطنية، وقد شاهدنا ذلك واضحاً في جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر بعد أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، وكذلك كما نراه واضحاً في النظام الإيراني الثيوقراطي.
فبعد استلام «الإخوان» للحكم في مصر، بدؤوا بالمساس بمؤسسات الدولة، وكان القضاء أول من استهدفوا، متمثلاً بالإعلان الدستوري في 22 نوفمبر 2012 للإطاحة بالنائب العام، ومن ثم تم الإعلان عن «مشروع غزة الكبرى» الذي كان يدعو إلى أن تكون دولة تربط بين غزة تحت قيادة «حماس» و720 كيلو من سيناء. وعندما صدر قانون 203 في 2012 وبمقتضاه يمنع حق تملك الأراضي بعمق 5 كيلو من الحدود، أوقفت تلك الصفقة التي كانت تحت الرعاية الأميركية، ومن ثم صدر بيان التحذير من انهيار مؤسسات الدولة، والجيش أبدى استعداده أن يكون داعماً للدولة المصرية، ومن ثم بدأ عداء «الإخوان» مع الجيش المصري.
هذا النهج بعدم احترام الدولة الوطنية لا نجده عند «الإخوان» فقط، بل هذا نهج تيارات الإسلام السياسي باختلاف مذاهبها. فالاختلاف الأساسي بين النظام الإيراني الثيوقراطي وجيرانه ليس البرنامج النووي الذي يركز عليه الغرب في كل اجتماعاته، بل لأن هذا البرنامج سيكون بيد نظام لم يتحول منذ تأسيسه عام 1979 إلى الآن من الثورة إلى الدولة الطبيعية التي تحترم حدود الأوطان. فهذا النظام لا يتقيد بالعلاقات والمواثيق الدولية بتعامله مع الدول، بل يدخلها عن طريق إنشاء الميليشيات والجماعات المسلحة، التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار وقلب موازين القوى.
وقد ذكر سعادة الأستاذ الدكتور جمال السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في كتابه، «لا تستسلم» عن تجربته مع «الإخوان المسلمين» في جامعة الإمارات (1990-1993) وسيطرتهم على الجامعة، وكيف يحاولون نشر نظرياتهم الفكرية بين الطلاب، وهذا كان عن طريق المحاضرات والندوات وحتى عن طريق الكتب المقررة. فأحد الكتب المقررة كان كتاباً بعنوان: «قضايا إسلامية معاصرة»، الذي يتضمن دعاية مباشرة لأفكار الإسلام السياسي ويمجد جماعاتها وأحزابها. وفي هذا الكتاب، يوجد فصل عن إعجاب تيار الإسلام السياسي بالنظام والثورة الإيرانية، ومن أهم أسباب الإعجاب التي وضحها الكتاب أن الموارد المالية لتيار«الإسلام السياسي» الشيعي ليست من الدولة، وبالتالي تتحرر تلك الأحزاب ورجال الدين من موارد الدولة المالية، لأنهم يعتمدون على الخُمس وعلى دعم المؤسسات الخاصة مثل البازار.
أول اتهام تدّعيه تيارات الإسلام السياسي لـ«الإخوان»، وتوجهه ضد دول مثل مصر والسعودية والإمارات، يتمثل في مزاعم رفض المشاركة السياسية، وتتخذ هذه التيارات حزب «العدالة والتنمية» في تركيا نموذجاً.
إن ترديد «الإخوان» في الدول العربية للتجربة في تركيا ماهو إلا ذر الرماد في العيون من دون التوضيح إلى أساسيات هذا النجاح في بداياته. فالشعب التركي انتخب حزب «العدالة والتنمية» معتقداً أن الحزب متوافق مع الهوية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك. لكن بمجرد سعي أردوغان وتصريحه عن الخلافة العثمانية كأساس للهوية التركية، فإنه أثار قلق الكثير من أركان الدولة والمجتمع داخل تركيا، وقاد إلى تصاعد الاحتجاجات في الداخل التركي، مما أدى إلى فقد شعبيته. كما أن تركيا مرتبطة بمجالها الجيوسياسي الذي يفرض على جميع الأحزاب بالالتزام بأطر الدولة الوطنية حتى لا تثير مخاوف جيرانها الغربيين.
لذلك يتحتم عند تصنيف جماعة «الإخوان» أو تيارات «الإسلام السياسي» المختلفة على أنها إرهابية، توضيح أسباب هذا الوصف الذي ينطبق عليها، لأن لكل تيار إرهابه الذي يختلف عن الآخر، والتأكيد على أنه لا يمكن الدعوة إلى مشاركة سياسية عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع جماعات وتيارات لا تحترم الدولة الوطنية، بل إن الوطن بالنسبة لهذه الجماعات مجرد «حفنة من تراب».
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي