هنالك العديد من المؤشرات العالمية التي تتنبّأ بأزمة عالمية في السنة القادمة 2020، وهي على سبيل المثال لا الحصر: أسواق الأوراق المالية في أزمة كبيرة، انخفاض الأموال الذكية بوتيرة لم يسبق لها مثيل سوى قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، ومن بين هذه المؤشرات أيضاً: العجز في سداد كمّ هائل من السندات «القذرة» أو غير المرغوب بها، وهذا مؤشر مهم لحدوث أزمة كبرى، وتضاعف سندات البنوك ثلاث مرات منذ السنة الماضية، وهذا يشير إلى أن بعض البنوك الكبرى قد دخلت منطقة الخطر، اتباع نفس الهندسة المالية التي اتّبعت للتعامل مع أزمة 2008 كالسندات المدعومة بالأصول، والتزامات الديون المضمونة، ومبادلة مخاطر الائتمان، ناهيك عن أن سندات الخزينة الأميركية منذ العام المنصرم تعاني من أسوأ مردود سنوي لها منذ الكساد العظيم، إلى جانب ارتفاع سعر الفائدة على القروض العقارية وأزمة سوق العقارات على مستوى العالم أجمع، كما أن هناك عجزاً غير مسبوق عن تسديد الديون لدى قطاع التجزئة التجارية، وأسوأ وتيرة لإغلاق محلات التجزئة الكبرى في العالم منذ فترة طويلة جداً، بجانب ما يحدث في أوروبا من معاناة للاقتصاد الأوروبي، كاقتراب الاقتصاد الإيطالي من الهاوية، وهو تاسع أكبر اقتصاد على مستوى العالم. كما أن قيام أكبر بنك في ألمانيا «دويتشه بنك» بتسريح 7000 عامل، والبطء في كل اقتصاديات العالم، تطورات يراها البعض نذير شؤم لحتمية ما هو قادم.
فتجارة النزاعات المسلحة والتشجيع على الديون الحكومية، كإصلاح اقتصادي سحري، والاغتيال الاقتصادي للأمم، سيضر بالجميع في النهاية، ولن تجدي نفعاً سياسة الاحتواء الاقتصادي، والتي تتلخّص في مبدأ بسيط جداً ألا وهو: استخدام المؤسسات الدولية مثل «البنك الدولي» في تقديم مساعدات اقتصادية، وقروض إعمار لدول العالم الثالث مقابل أن تقوم الشركات الغربية والكبرى العابرة للقارات بتنفيذ المشروعات الضخمة في الدول المستدينة، كمحطات الطاقة والمطارات وشبكات الطرق والاتصالات. وفي الوقت الذي تستدين فيه هذه الدول من «البنك الدولي»، تكون فوائد القروض أكبر من قدرة هذه الدول على السداد، ومن ثم تتراكم فوائد القروض وتعجز هذه الدول عن السداد، وهنا تتدخل الولايات المتحدة لمساعدة هذه الدول مقابل قواعد عسكرية أميركية على أراضيها، أو لتمرير قرارات معينة في مجلس الأمن، أو القيام بإصلاحات اقتصادية داخلية معينة (خصخصة القطاع العام، الضريبة العقارية.. إلخ) وبهذا يكون «البنك الدولي» قد فاز بفوائد القروض وفازت الشركات بأموال عقود الإعمار، وفازت الولايات المتحدة بالتحديد بالسيطرة السياسية.
ومن جهة أخرى، فإن مؤشر العجز المالي لديون الولايات المتحدة يقود العالم نحو الأزمة المالية القادمة، ويجب أن لا ننسى الحرب التجارية مع الصين وكيف أن روسيا باعت معظم الأوراق المالية الحكومية الأميركية، واليوم قيمة الدين العالمي بلغت أكثر من 250 تريليون دولار، وهناك 3 دول استحوذت على أكثر من نصف ديون العالم، هي أميركا والصين واليابان، والغريب أن أميركا تعتمد سياسة الاقتراض الحكومي والتسهيلات المصرفية والمالية وليس الإنتاجية لإحداث توازن وسد العجز لديها، وقد تواجه أزمة الدولار كون الديون التي تعاني منها أميركا لا يمكن التغلب عليها، ولك أن تعلم أن ديون الحرب العالمية الأولي، لم تسدد كاملة ليومنا هذا، وارتفاع أسعار الفائدة سيقود إلى انخفاض كبير في الإنفاق والمدخلات والوقوع بين نارين، إحداهما التخلّف عن سداد الدين والأخرى تضخّم هائل وجامح، وبالتالي كل ما يتحدّث عنه ترامب من نجاحات على المستوى الاقتصادي هي ذرات في وجه حجم التحدي الحقيقي، كما أن قوى الطبيعة ستزيد من أوجاع الاقتصاد الأميركي - مستقبلاً- وحجم الدين العام.
وفي ظل ظروف تتمثل في طبيعة النظام المالي والاقتصادي في الولايات المتحدة، والمنافسة الجديدة من القوى الصاعدة، والنفقات الكبيرة على الدفاع والقوات المنتشرة في شتى بقاع الأرض، وتكلفة الحرب على إرهاب الدول وضخّ مليارات الدولارات في بعض المؤسسات المالية الأميركية لإنقاذها من الإفلاس، وكل ذلك والصين تمتلك نحو 20% من مجموع الديون الخارجية للولايات المتحدة، وتقوم بين وقت وآخر بعرض سندات الخزنة الأميركية للبيع في إطار المنافسة القائمة بين البلدين، ولدعم احتياطات البنك المركزي لديها وحماية «اليوان» ومن المشترين غير المباشرين من هم خصوم سياسيون لها، فإن الولايات المتحدة لن تضرب إيران مهما هددت بذلك، وتُهدي الصين على طبق من ذهب مشاركتها النفوذ العسكري وغير العسكري في المنطقة وسايكس بيكو اقتصادية بشروط صينية هندية روسية لتقاسم الثروات في أفريقيا وبعض الدول العربية، لإيجاد غطاء من الذهب والفضة لما هو قادم.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات