في الأول من يوليو الجاري، أصبح دونالد ترامب أول رئيس أميركي يخطو على أرض كوريا الشمالية. وفعل ذلك في المنطقة منزوعة السلاح على طول الحدود التي تفصل شطري شبه الجزيرة الكورية. والتقى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لمدة ساعة، وقال إنهما اتفقا على استئناف المحادثات بشأن ملف القضية النووية. ودعاه ترامب إلى زيارة البيت الأبيض.
ومن وجهة نظر الرئيسين ونظيرهما الكوري الجنوبي «مون جاي-إن»، كان اللقاء احتفاء ضخماً بالعلاقات العامة. لكن بالنسبة للمحللين الأكثر حذراً، فلا يزال الحكم على ما يمثله اللقاء لم يصدر بعد بانتظار معرفة الإجابة على السؤال: هل ستكون هناك مفاوضات جديدة جادة أم أن كيم جونغ أون سيحتفظ بمنافع اللقاء ويزيد شرعيته كقائد يتعين على العالم أن يتعامل معه بجدية من دون أن يتخلى عن أسلحته النووية؟
وهذه هي المعضلة التي تواجهها كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وكلتاهما ترحبان بعلاقات أفضل مع الشمال، لكنهما تصرّان على أن النتيجة النهائية للمفاوضات يجب أن تكون نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية. وليس ثمة دليل على أن هذه النتيجة موجودة من الأساس على أجندة كوريا الشمالية.
وفي الحقيقة، يتفق معظم المراقبين على أن موافقة كوريا الشمالية في نهاية المطاف على تفكيك وتدمير استثماراتها البالغة مليارات الدولارات في برنامجها النووي سيكون بمثابة إقدام على تدمير الذات. فمن دون أسلحة نووية، لن تكون لـ«بيونجيانج» أية قوة ردع ضد خصومها الكثيرين، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. وعلاوة على ذلك، لا توفر الأسلحة النووية قوة الردع فحسب، وإنما الأكثر أهمية أنها تُبقي نظام «كيم» في السلطة.
ويمكن لترامب أن يزعم، وهو محق، أنه أول رئيس أميركي يرسخ علاقة عمل وربما صداقة مع زعيم كوري شمالي، ويوفر ذلك عنصر الاستقرار في منطقة شديدة الخطورة وعالية التسلح في العالم. ولا شك في أن الرسائل المتبادلة بين الرئيسين، والتي يصفها ترامب بـ«رسائل الحب»، مفضلة أكثر من الإهانات العلنية التي تبادلها الطرفان خلال الأشهر الأولى من عمر الإدارة الأميركية الحالية، بل ومن الممكن أيضاً زعم أن قبول الولايات المتحدة للأمر الواقع باعتبار كوريا الشمالية قوة نووية أفضل من اندلاع حرب في المنطقة. لكن الثمن الذي سيتم دفعه مقابل هذه الاستراتيجية باهظ جداً.
فإضفاء الشرعية على الأسلحة النووية لكوريا الشمالية من المرجح أن يُشجّع اليابان وربما كوريا الجنوبية وتايوان على إعادة النظر في التزاماتها بشأن عدم الانتشار النووي، ومن شأنه أيضاً تشجيع إيران على المضي قدماً في برنامجها، وخصوصاً تصنيع رؤوس نووية لقوتها الصاروخية الباليستية.
وتم تنسيق لقاء ترامب مع كيم في اللحظة الأخيرة، استناداً إلى تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أرسلها ترامب من اجتماع قمة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية. ويرى أنصار الرئيس الأميركي أن هذه طريقته المفضلة في ممارسة الدبلوماسية، وتعزيز الروابط الشخصية مع قادة العالم. غير أن المنتقدين يعتبرون أن هذا النهج محفوف بالمخاطر، وأنه لا بديل عن الدبلوماسية الحذرة القائمة على أسس تاريخية والمفاوضات المكثفة على مستوى رفيع من أجل تحقيق أهداف سياسية محددة.
وإلى أن يتم التوصل إلى دليل ملموس على أن الجولة الجديدة من المحادثات مع كوريا الشمالية لن تكون مجرد جولة إجرائية، وأن أية قمة جديدة من شأنها إتاحة الفرصة أمام إحراز تقدم، فسيظل منتقدو نهج ترامب متشككين تشككاً كبيراً في أن التودد إلى كوريا الشمالية لن يكون أكثر من تعزيز علني لمواقف الرئيسين اللذين يستمتعان بالأضواء والظهور، لكن لكل منهما أهداف شديدة الاختلاف.
وبالطبع، هدف ترامب المباشر هو التأكد تمام التأكيد من أن دبلوماسيته تجاه بيونجيانج ستساعده في حملته الانتخابية ومن ثم تعزز حظوظ إعادة انتخابه. وأما بالنسبة لكيم، يكمن الهدف في زيادة شرعيته العالمية ويعقد الأمل على تحقيق بعض المنافع الاقتصادية من رفع للعقوبات المفروضة على بلاده.
لكن فيما يتعلق بالسؤال الأساسي حول نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، تعتبر الولايات المتحدة أنها قضية محورية من أجل منع انتشار الأسلحة النووية، بينما تعتبرها كوريا الشمالية فكرة في إطار إجراءات عالمية لنزع الأسلحة النووية حيث تقدم الدول النووية كافة على خفض وتقليص ثم إزالة برامجها النووية.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشونال انترست- واشنطن