من بين مبررات «فيسبوك» لإصدار عملتها الرقمية الجديدة «ليبرا»، قدّمت الشركة سبباً جديراً بالثناء ألا وهو: ربط 1.7 مليون شخص راشد لا يمتلكون حسابات بنكية بالنظام المالي العالمي. وهذه بالتأكيد طريقة تُمكّن الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك من الاستمتاع بامتيازات الأموال الرقمية. أو ربما يمكنهم شراء فأرة كمبيوتر الألعاب «ديث آدر إليت»!
و«ديث آدر إليت»، مثلما يعلم المتابعون لألعاب الكمبيوتر، هي فأرة ألعاب عالية الأداء من إنتاج شركة «رازر» للألعاب. ومؤخراً، دخلت الشركة، التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، شراكة مع «فيزا إنك» تسمح للاعبين بالذهاب إلى أي متجر وشراء نقاط مسبقة الدفع يمكن تحميلها عبر هواتفهم المحمولة، ويمكنهم استخدامها لشراء البضائع ليس فقط ضمن ألعاب «رازر» وإنما في عالم الواقع، لدى عشرات الملايين من المتاجر التي تقبل بطاقات «فيزا».
وهذه النقاط تفعل بالتحديد ما تزعم «فيسبوك» أن «ليبرا» ستفعله، ألا وهو تقديم أموال إلكترونية لمن لا يمتلكون حسابات بنكية أو بطاقات ائتمانية. وعلى رغم من أن الشراكة بين «رازر» و«فيزا» جديدة، إلا أن هذا النموذج مسبق الدفع معمول به منذ وقت طويل نسبياً مقارنة بـ«ليبرا» والعملات الرقمية الأخرى. لذا، ربما تجد «فيسبوك» أن من تحاول مساعدتهم لا يحتاجون مساعدتها على الإطلاق!
وفكرة السماح للمستهلكين بزيادة أرصدة هواتفهم المتحركة بنقاط مسبقة الدفع وتحويلها إلى أموال نشأت أصلاً في كينيا قبل أكثر من عقد مضى. وفي منتصف العقد الماضي، لاحظ المسؤولون التنفيذيون في شركة «سافاري كوم»، للاتصالات، أنه من المكلف والصعب على الكينيين الانضمام والسفر لمسافات طويلة لإعطاء الأموال إلى أفراد أسرهم. لذا، طوروا نظام «إم – بيسا»، الذي يمكن عملاء «سافاري كوم» من شراء نقاط مالية عبر الهاتف من أحد وكلاء الشركة، وهذه النقاط يمكن تحويلها عبر رسائل نصية قصيرة، وسحبها كأموال نقدية من وكيل آخر.
وعند إطلاق الخدمة في عام 2007، تمكن نظام «إم – بيسا» من خدمة 1.2 مليون عميل. ولدى 74 في المئة من الكينيين في الوقت الراهن حسابات تحويل أموال عبر الهاتف، وفي عام 2018، حوّلوا ما يناهز نصف إجمالي الناتج المحلي لبلادهم عبر هواتفهم. وانتشرت الفكرة إلى خارج كينيا. ففي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، يستخدم الآن 60 في المئة من السكان هذه الخدمات. كما يستفيد منها ثلاثة أرباع الصوماليين الذين تزيد أعمارهم على 16 عاماً على الأقل مرة واحدة كل شهر. وظهرت خدمات مماثلة في آسيا وفي أماكن أخرى.
ومنذ عام 2018، أصبح هناك أكثر من 866 مليون حساب تحويل أموال عبر الهاتف في 90 دولة، وبلغ إجمالي المعاملات 1.3 مليار دولار يومياً.
ومع تضاعف أعداد العملاء، زاد مستخدمو هذه المنتجات. وأسهم تحويل الأموال عبر الهاتف في تمويل مشروعات متناهية الصغر وشركات صغيرة. وتُسهل إمكانية التبادل بين الخدمات التحويلات والتجارة العابرة للحدود، وعلى سبيل المثال، أسست «إم-بيسا» شراكة مع «باي بال» للسماح بتحويلات مرنة بين الشركات. وتمكّن خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف التجارة الإلكترونية أيضاً، فقد فتحت مجموعة «علي بابا» القابضة أيضاً منصتها الدولية «علي إكسبرس» للدفع عبر نظام «إم- بيسا».
ويعتبر تحويل الأموال عبر الهاتف وسيلة لجذب فئات عمرية محددة داخل مناطق بعينها. فمثلاً، في جنوب شرق آسيا، وهي أسرع أسواق ألعاب الفيديو نمواً في العالم، يقيد نقص بطاقات الائتمان والحسابات البنكية قدرة الشركات على بيع منتجات الألعاب. ومن ثم، كان الحل الذي قدّمته «رازر» هو الاستحواذ على نظام دفع محدود عبر الإنترنت يمكن المستخدمين من شراء نقاط من المتاجر. وبعد ذلك أنشأت الشركة محفظة إلكترونية «إي والت» لينفق منها اللاعبون أو يحولوا النقاط أو يستردون قيمتها نقداً. ويسمح الاتفاق مع شركة «فيزا»، باستخدام بطاقات الفعلية والافتراضية مسبقة الدفع، لدى 54 مليون متجر عالمياً.
وعلى رغم من ذلك، لدى «ليبرا» ميزات في المعركة من أجل استقطاب غير المتعاملين مع البنوك، بداية من سمعتها الأمنية القوية في الأسواق الناشئة، حيث قوضت عمليات النصب سمعة تحويل الأموال عبر الهاتف. والأكثر أهمية أن «فيسبوك» أداة مهمة للشركات الصغيرة ورواد الأعمال في الدول النامية. وبربط «ليبرا» و«فيسبوك ماسنجر» و«ووتس آب»، تحجز «فيسبوك» لنفسها مركزاً في مقدمة أفضل وأسهل خيارات الدفع للمستهلكين في الأسواق الناشئة. لكن في الوقت ذاته، لا تقدم «ليبرا» لكثير من المستهلكين أية خدمات أخرى لا توفرها خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف.
كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»