النهج الذي يتبعه الرئيس دونالد ترامب ومساعدوه تجاه التحدي الذي يواجهه الإسرائيليون والفلسطينيون أثار غضب الجانب الفلسطيني، ويقدم لإسرائيل ولرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدداً من الهدايا السياسية تتضمن الاعتراف من جانب واحد بالسيادة الإسرائيلية على القدس. لقد بدد هذا النهج الشكوك في أن الولايات المتحدة تمثل وسيطاً غير متحيز في واحد من أكثر الصراعات استعصاء على الحل في الشرق الأوسط.
ويوم الأحد الماضي، انتقل ديفيد فريدمان السفير الأميركي في إسرائيل وجيسون جرينبلات مبعوث البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط إلى موقع أثري بالقرب من البلدة القديمة في القدس. وهناك شاركا في مراسم تدشين «طريق الحج» تحت الأرض، وهو ما يعتقد بعض خبراء الآثار ومنظمة قومية يهودية يمينية أنه معبر قديم كان يؤدي إلى مواقع القدس المقدسة. ووسط طائفة من الشخصيات تضمنت المليادير الأميركي اليهودي شيلدون أدلسون، وسارة نتنياهو زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس بلدية القدس البارز السابق نير بركات، رفع فريدمان مطرقة وصنع بها فجوات في آخر جدار رفيع يعترض الممر. وحذا حذوه جرينبلات. وتم بث الصور مباشرة على «فيسبوك».
وأشار المحللون أن مناورة «فريدمان» و«جرينبلات» لا تتعلق بالتاريخ فحسب. فالمؤسسة الأم وهي مؤسسة مدينة داود التي تدير المشروع هي جماعة مستوطنين إسرائيليين تساعد في انتقال أسر يهودية إلى الأحياء الفلسطينية مدعومة بملايين الدولارات من التبرعات السرية، وأيضاً تمويل من الحكومة. والنفق الذي حفرته المنظمة يمر تحت حي سلوان الفلسطيني الذي يشكو سكانه من أن ما يقرب من عقد من الحفر قد أدى إلى تصدعات في جدران منازلهم وهبوط في أساساتها. وينظر عدد كبير من الفلسطينيين إلى المسعى باعتباره ضربة أخرى لحقوقهم في القدس الشرقية التي مازالت العاصمة المفترضة لدولة فلسطينية في المستقبل.
وصرح فريدمان الذي تربطه علاقات وثيقة بالجماعات المدافعة عن الاستيطان في إسرائيل والولايات المتحدة لصحيفة جيروزالم بوست أنه لا يتصور أبداً أن تتخلى إسرائيل عن سيطرتها على موقع «مدينة داود» الأثري. ويوم الأحد الماضي، أشاد بالمشروع باعتباره تأكيداً على «دقة وحكمة وملائمة» قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وجادل فريدمان على أن حجة هذا الممر القديم «يقضي على كل التشكيك» في ادعاء اليهود بحقهم في كامل القدس.
ويجادل منتقدون بأن هذا المشروع لا يكشف عن تاريخ يهودي قديم بقدر ما يطمس قروناً تلت ذلك اتخذ خلالها طائفة متنوعة من الجماعات والشعوب من القدس وطناً لهم. ويؤكد «يوناتان مزراحي» وهو عالم آثار إسرائيلي لصحيفة «واشنطن بوست» أن «تاريخ القدس لا ينتمي للإسرائيليين وحدهم». ولم يشر فريدمان وجرينبلات إلى مثل هذا التعقيد في التاريخ. بل ألقى السفير الأميركي في الموقع رسالة دينية خاطب بها قاعدة المسيحيين الإنجيليين المؤيدين للرئيس ترامب قائلاً «الأسس الروحية لمجتمعنا وصخرة مبادئنا التي نحترم بها كرامة كل حياة إنسانية جاءت من القدس. هذا المكان يمثل تراثاً للولايات المتحدة بقدر ما يمثل تراثاً لإسرائيل».
وتحدى «جرينبلات» مرة أخرى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات طالباً منه أن يقبل «حقيقة» المزاعم الإسرائيلية بالحق في كامل القدس. وفي كلمة ألقاها في الأيام القليلة الماضية، قلل «جرينبلات» من شأن دور المستوطنات- التي يعتبرها جانب كبير من المجتمع الدولي غير مشروعة- في عرقلة السلام مع الفلسطينيين.
وأعلن «جرينبلات» أنه يفضل تسميتها باسم «الأحياء والمدن»، لكن «جرينبلات» مازال يصر على أن البيت الأبيض بوسعه تدشين حقبة جديدة من التفاهم الإسرائيلي الفلسطيني. وإلى جانب مستشار ترامب وزوجه ابنته جاريد كوشنر، ساعد «جرينبلات» في استضافة القمة الاقتصادية في البحرين التي قاطعها الفلسطينيون. والتوصل إلى حل سياسي له معنى يبدو بعيد المنال إن لم يكن محض سراب.
ويرى بعض المراقبين أن النفق يمثل صورة مصغرة لطبيعة سياسة ترامب في إسرائيل. فلم ينحرف البيت الأبيض فحسب بعيداً عن مواقف الولايات المتحدة السابقة فيما يتعلق بوضع القدس من خلال نقل السفارة الأميركية إلى هناك، بل يقوي منهجياً جرأة أقصى اليمين الإسرائيلي الذي عارض بشدة إقامة دولة فلسطينية. ويرى «شيمي شلاف» الكاتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن «الاحتفال يصفو فيه الجوهر الكئيب لتحول ترامب الجذري عن 70 عاماً من السياسة الخارجية الأميركية كما مارسها أسلافه، بما في ذلك رونالد ريجان وجورج بوش الابن المؤيدان لإسرائيل».
وكتب «أنشل بيفر» الصحفي الإسرائيلي وكاتب سيرة نتنياهو يقول «بوسعهم تحطيم جدار لكن لا يمكنهم إخفاء حقائق القدس. هؤلاء ليس لديهم حب حقيقي للقدس المدينة الفعلية التي يجد فيها ما يقرب من مليون يهودي ومسلم ومسيحي وإسرائيلي وفلسطيني طريقة للاستمرار في العيش معاً»
*كاتب متخصص في متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»