الهند والولايات المتحدة تتحدثان عن تحسن في العلاقات التي واجهتها منغصات كثيرة. ولا يتوقع أن يصبح هذا التحسن سهلاً مع تمسك كلا البلدين بمواقفهما على الأقل في الوقت الحالي. وعلى هامش مجموعة العشرين في أوساكا باليابان خلال الآونة الأخيرة، اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وكان الاجتماع الأول لمودي مع ترامب بعد إعادة انتخاب الأول رئيساً لوزراء الهند في الانتخابات العامة. وطلب كل زعيم من مسؤولي بلاده أن يجتمعوا معاً في الفترة القادمة لحسم القضايا الشائكة التي ظهرت في العلاقات التجارية بين البلدين.
ولا شك تقريباً في أن العلاقات الثنائية بين الهند والولايات المتحدة غير مستقرة. ومع إصرار ترامب على أنه يجب على الهند فتح اقتصادها أمام الشركات الأميركية وخفض الرسوم الجمركية على البضائع الأميركية، فليس من المتوقع التوصل إلى حل بسهولة. والواقع أنه قبل الاجتماع بقليل بين مودي وترامب كان مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي يزور الهند في محاولة لحسم بعض القضايا البارزة التي تضمنت علاقات الهند الدفاعية مع روسيا. وأثناء الزيارة، اعترف بومبيو ووزير الخارجية الهندي «جائي شانكار» بالخلافات بين البلدين اللذين تقاربا على مدار العقدين الماضيين بسبب تصاعد نفوذ الصين.
وتضررت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة نتيجة التوترات التجارية بعد أن أزال الرئيس ترامب البلد الواقع في جنوب آسيا من قائمة الدول النامية المستفيدة من «برنامج نظام التفضيل العام» في وقت مبكر الشهر الماضي. والبرنامج هو أكبر وأقدم برنامج للتفضيل التجاري للولايات المتحدة وكان القصد منه دعم التنمية الاقتصادية عن الطريق السماح بدخول دون رسوم لآلاف المنتجات من الدول المستفيدة إلى الولايات المتحدة. وكانت الهند أكبر المستفيدين من البرنامج. وفرضت الهند في المقابل رسوماً على 28 سلعة منها التفاح واللوز الأسبوع الماضي.
وكان ترامب قد صرح، أثناء عرضه لأسباب القرار، أن الهند يتعين عليها الانفتاح بشكل أكبر لتكون ساحة المنافسة مستوية. والتجارة في السلع بين البلدين بلغت 74.5 مليار دولار، بينما تقلص العجز في الميزان التجاري لصالح الهند من 22.9 مليار دولار عام 2017 إلى 21.2 مليار دولار عام 2018.
وسعى بومبيو- وهو أول مسؤول أميركي رفيع المستوى يزور الهند بعد إعادة انتخاب «مودي»- إلى التقليل من شأن التوترات مصرحاً بأن «الأصدقاء الرائعين من المقدر عليهم أن يكون بينهم خلافات». لكنه أكد أن الولايات المتحدة تسعى إلى إمكانية دخول أكبر للأسواق، وإزالة العراقيل التجارية في العلاقات الاقتصادية. بينما أكد أن الهند والولايات المتحدة يتعين عليهما تحديد أولوياتهما الاقتصادية بوضوح بناء على «مبادرة الحزام والطريق» الصينية التي تضخ بموجبها الصين استثمارات في البنية التحتية في عدد من الدول. ووافق «بومبيو» على أن البلدين يتعين عليهما «التحرك سريعاً» للمضي قدما في رؤيتهما لتحقيق الرخاء وخير البلدين.
وطورت الهند والولايات المتحدة العلاقات التي تعززت بسبب القلق من صعود الصين. وتعززت العلاقات بشكل خاص في مجالات مثل الدفاع والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة التي وصفت الهند بأنها شريك دفاعي كبير في عام 2016. واتفق البلدان على المشاركة في القواعد العسكرية فيما بينهما في أغراض التزود بالوقود وإصلاح الطائرات المقاتلة والسفن الحربية، لكن عناصر التوتر تسللت، ليس فقط من خلال التجارة، لكن أيضاً من خلال علاقات الهند بإيران وروسيا. فنيودلهي تتطلع إلى الحصول على أنظمة (إس-400) تريموف الصاروخية للدفاع الجوي من روسيا حتى بعد أن حذرت الولايات المتحدة الهند من أن الصفقة «مجال تركيز» قانون التصدي لخصوم أميركا من خلال العقوبات وهو قانون اتحادي فُرضت بموجبة عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا.
ورغم زيارة «بومبيو»، فشل البلدان حتى الآن في حسم القضايا البارزة. وترى الهند أن الولايات المتحدة أمامها متسع تمنح من خلاله الهند استثناء للحصول على نظام صاروخي ومازالت تتمسك بأنها ستتخذ أي قرار يصب في مصلحتها القومية. ومن الواضح أن الأمر سيستغرق جولات من المفاوضات لتصفية كل الخلافات.
كما أثار الخلاف أيضاً كلمة ألقاها «بومبيو» في نيودلهي بشأن الحريات الدينية. وبعض تعليقاته لم تستسيغها الحكومة الحساسة للنقد. وجاءت تعليقات «بومبيو» بعد أيام قليلة بعدما رفضت الهند تقريراً أميركياً عن الحريات الدينية، ذكر أن الحرية الدينية تعرضت لهجمات في الهند.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي